ذلك ، أو كيف اهملناهم ولم نجعل لهم رئيسا وإماما بعد الرّسول (ص)؟! أو كيف نهملهم ولا نبعثهم والحال انّا ما اهملناهم حين لم يكونوا شيئا مذكور أو جعلنا لهم جميع أسباب وجودهم وأسباب بقائهم (وَالْجِبالَ أَوْتاداً وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) ذكرا وأنثى حتّى يستأنس بعضكم ببعض وليسكن ويمكن التّناسل ، أو جعلناكم أصنافا لتعارفوا ، وليرفع بعضكم حاجة بعض (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) اى راحة أو قطعا عن الأعمال والمتاعب (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) اى ساترا يستر كلّ عورة (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) وقت تمتّعكم أو سبب ابتغاء معاشكم (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) لا يقبل الانثلام وببنائها وجعل الكواكب فيها يكون بقاؤكم وتعيّشكم (وَجَعَلْنا) اى خلقنا (سِراجاً وَهَّاجاً) لا يمكن وجودكم ولا بقاؤكم بدونه (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) اى السّحائب الّتى صارت معصورة اى متراكمة بالبرد والرّيح أو الرّيح الّتى تكون معصرة للسّحاب ، أو الرّياح الّتى تكون ذوات الأعاصير الى الاغبرة فانّ الرّياح تكون أسباب نزول المطر ، وقد قرئ أنزلنا بالمعصرات وهو يؤيّد المعنى الأخير (ماءً ثَجَّاجاً) سيّالا الى مواضع زراعاتكم وروضاتكم وبه يكون حياتكم (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا) لارزاقكم وأرزاق دوابّكم (وَنَباتاً) كذلك (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) الالفاف الأشجار الملتفّة واحدها لفّ بالكسر والفتح أو بالضّمّ وهو جمع لفّاء فيكون الالفاف حينئذ جمع جمع (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : إذا لم تهملهم بلا حساب وثواب وعقاب فهل لهم موعد لذلك؟ ـ أو إذا لم تهملهم بلا ولىّ ورئيس فهل لظهور ذلك الولىّ موعد؟ ـ فقال : انّ يوم الفصل كان موعدا لهم ، والمراد بيوم الفصل يوم خروج الرّوح عن البدن ، أو يوم فصل المحقّ عن المبطل والنّاجى من الهالك (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) النّفخة الاولى أو النّفخة الثّانية (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) أتى بالماضي امّا لتحقّق وقوعه أو للاشعار بانّ السّماء كانت من اوّل خلقته منفتحة منشقّة يتراءى بحسب الانظار الظّاهرة انّها غير منفرجة فانّ كلّ ممكن زوج تركيبىّ منشقّ الى مهيّة ووجود ووجوب وإمكان ، ومعنى كونها أبوابا انّها أبواب للملكوت كما انّ سماوات عالم الأرواح أبواب للغيب وفعله الّذى هو عالم المشيّة (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) يعنى انّ الجبال تحسبها ثابتة وهي تمرّ مرّ السّحاب باقتضاء التّجدّد الجوهرىّ ، وكونها سرابا من جهة انّها تتراءى جبالا عظيمة ثابتة جامدة وليست كذلك ، وهكذا حال جبال الانّيّات للأشياء فانّها ترى أشياء مستقلّة في الوجود لها نفسيّات وليست كذلك ، وقد فسّر الأفواج في خبر عن النّبىّ (ص) بأصناف من المعاقبين من أصناف المسيئين (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) رصده رقبه والمرصاد الطّريق أو المكان يرصد فيه العدوّ كأنّ الخزنة يرصدون في جهنّم أعداء أولياء الله والجملة جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما يفعل بهم بعد إتيانهم أفواجا؟ ـ (لِلطَّاغِينَ مَآباً) طغى كرضى طغيا وطغيانا بالضّمّ والكسر فيهما جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظّلم ، وطغا يطغو طغوا وطغوانا بضمّهما (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) جمع الحقب بالضّمّ والضّمّتين وهي ثمانون سنة أو أكثر ، والدّهر والسّنة أو السّنون ، وقيل : المراد باللّبث أحقابا انّه كلّما مضى حقب جاء بعده حقب آخر ، وقد فسّر الحقب بثمانين سنة من سنى الآخرة ، وقيل : انّ الاحقاب ثلاثة وأربعون حقبا كلّ حقب سبعون خريفا ، كلّ خريف سبعمائة سنة ، كلّ سنة ثلثمائة وستّون يوما ، كلّ يوم الف سنة ، وقيل المعنى لابثين فيها أحقابا موصوفة بانّهم لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ، ثمّ يلبثون فيها يذوقون غير الحميم والغسّاق من أنواع العذاب فهذا توقيت لانواع