المتكبّر وتوزيعه على مهامّ عديدة كرجل فيه شركاء متشاكسون ، وقرئ بتنوين القلب ، وحينئذ يكون نسبة التّكبّر الى القلب مجازا ، وقد مضى في اوّل البقرة بيان ختم القلوب وطبعها (وَقالَ فِرْعَوْنُ) تمويها على العوامّ (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) قصرا مرتفعا ظاهرا على الانظار من صرح الشّيء إذا ظهر (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) كلّما يتوصّل به الى شيء آخر يسمّى سببا ، والاضافة الى السّماوات بيانيّة ، لانّ السّماوات أسباب إيجاد المواليد وابقائها ، أو بتقدير اللّام والمراد بها الطّرق الّتى بها يوصل الى السّماوات (فَأَطَّلِعَ) قرئ بالرّفع عطفا على أبلغ ، وبالنّصب جوابا للتّرجّى (إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) كان تأمّله في قتل موسى (ع) وتصريحه بظنّه كذب موسى لرشدته (اى ولد الحلال) كما في الخبر (وَكَذلِكَ) التّزيين الّذى زيّن له في بناء الصّرح والصّعود الى السّماء (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) في سائر اعماله (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) قرئ مبنيّا للفاعل ومبنيّا للمفعول (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) في نقصان أو خسار (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) تمتّع يسير بحسب المدارك النّازلة الحيوانيّة فانّه إذا نسب الى المدارك الانسانيّة لم يكن يعدّ تمتّعا على انّ تمتّعها مشوب بالآلام والأسقام والبلايا والمخاوف ومع ذلك لم يكن مدّة بقائه الّا قليلا من الايّام وإذا لوحظ مع الايّام الآخرة الغير المتناهية لم يكن يعدّ في شيء (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) فلا أمد لمداه ولا نقص ولا شوب لتمتّعه (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) وهذا جواب لسؤال مقدّر من حز قيل أو من الله (وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) بسط في جانب الثّواب واقتصر في جانب العقاب على ذكر الجزاء المقيّد بكونه مثل السّيّئة ترجيحا لجانب الوعد (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) لم يقل ما لكم نصفا من نفسه في مقام النّصح (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي) بدل من الاوّل (لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ) اى بربوبيّته واستحقاق آلهته (عِلْمٌ) تعريض بهم وانّ عبادة ما ليس على جواز عبادته برهان ليست الّا سفاهة وأنتم تعبدون ما ليس لكم بالهته علم (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ) المنيع الّذى لا يمنعه عن مراده مانع وعزّته دليل آلهته (الْغَفَّارِ) الّذى ينبغي ان يطلب بعبادته غفرانه (لا جَرَمَ) يقال : لا جرم ، ولا ذا جرم ، ولا ان ذا جرم ، بزيادة ذا ، أو ان المفتوحة مع ذا ، ولا عن ذا جرم ، كلّ ذلك مثل ضرب ولا جرم ككرم ولا جر بإسقاط الميم ولا جرم بضمّ الجيم وسكون الرّاء كأنّه كان فعلا ماضيا ثمّ كثر استعماله فدخل عليه ذا ، أو ان وذا ، أو عن وذا ، ولم يغيّر عن صورته وهو من مادّة الجرم بمعنى الذّنب بقرينة استعماله لا جرم بضمّ الجيم وسكون الرّاء في مقام الباقي ، أو من الجرم بمعنى القطع بقرينة ـ استعماله في مقام لا بدّ ولا محالة ، وفي مقام حقّا ، وهذا كان أصله ثمّ كثر استعماله في مقام تأكيد الكلام حتّى تحوّل الى معنى القسم فانّه يقال : لا جرم لآتينّك بإتيان الجواب له مثل جواب القسم وقد سبق في سورة النّحل بيان اجمالىّ للاجرم (أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) من الأصنام أو فرعون (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) اى دعوة مقبولة حقّة (فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا) اى مردّى ومردّكم جميعا (إِلَى اللهِ) فينبغي الاعراض عن الهتكم والإقبال الى الله الّذى ينتهى أمرنا اليه والى محاكمته (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) المتجاوزين عن حدّهم الانسانىّ بالادبار عن الله والإقبال على ما ليس له