دعوة في الدّارين (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ) عند معاينة الموت وتهيّؤ أسباب العذاب لكم (ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) لانّه العزيز العليم القدير ذو العناية بأمر العباد ولا أخاف ما تخوّفوننى به لعدم قدرته على شيء (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) فيحفظ من توسّل به (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) قد ورد في الاخبار انّهم قطعوه اربا اربا ولكن وقاه الله ان يفتنوه في دينه ، وعن الصّادق (ع) في حديث : كان حزقيل يدعوهم الى توحيد الله ونبوّة موسى (ع) وتفضيل محمّد (ص) على جميع رسل الله وخلقه وتفضيل علىّ بن ـ ابى طالب (ع) والخيار من الائمّة على سائر أوصياء النّبيّين والى البراءة من ربوبيّة فرعون ، فوشى به الواشون الى فرعون وقالوا : انّ حزقيل يدعوهم الى مخالفتك ويعين أعداءك الى مضادّتك فقال لهم فرعون : ابن عمّى وخليفتي على ملكي وولىّ عهدي ان فعل ما قلتم فقد استحقّ العذاب على كفره بنعمتي ، وان كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم اشدّ العذاب ، لإيثاركم الدّخول في مساءته فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه ، وقالوا : أأنت تجحد ربوبيّة فرعون الملك وتكفر بنعمائه؟ ـ فقال حزقيل : ايّها الملك هل جرّبت علىّ كذبا قطّ؟ ـ قال : لا ، قال فسلهم من ربّهم؟ ـ قالوا : فرعون هذا ، قال : ومن خالقكم؟ ـ قالوا : فرعون هذا ، قال : ومن رازقكم الكافل لمعايشكم والدّافع عنكم مكارهكم؟ ـ قالوا : فرعون هذا ، قال حزقيل : ايّها الملك فأشهدك وكلّ من حضرك انّ ربّهم هو ربّى ، وخالقهم هو خالقي ، ورازقهم هو رازقي ، ومصلح معايشهم هو مصلح معايشي ، لا ربّ لي ولا خالق ولا رازق غير ربّهم وخالقهم ورازقهم ، وأشهدك ومن حضرك انّ كلّ ربّ ورازق وخالق سوى ربّهم وخالقهم ورازقهم فانا بريء منه ومن ربوبيّته وكافر بالهيّته ، يقول حزقيل : هذا وهو يعنى انّ ربّهم وهو الله ربّى ، ولم يقل : انّ الّذى قالوا : انّه ربّهم هو ربّى ، وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهّم انّه يقول : فرعون ربّى وخالقي ورازقي ، فقال لهم فرعون : يا رجال السّوء ويا طلّاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمّى وهو عضدي أنتم المستحقّون لعذابي لارادتكم فساد أمري وإهلاك ابن عمّى والفتّ في عضدي ، ثمّ أمر بأوتاد فجعل في ساق كلّ واحد منهم وتدا وفي صدره وتدا ، وامر أصحاب أمشاط ـ الحديد فشقّوا بها لحومهم من أبدانهم فذلك ما قال الله تعالى : فوقيه الله سيّئات ما مكروا به لمّا وشوا به الى فرعون ليهلكوه ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب وهم الّذين وشوا بحزقيل اليه لما أوتد فيهم الأوتاد ومشط عن أبدانهم لحومها بالامشاط (النَّارُ) ان كان المراد بسوء العذاب عذاب البرزخ والآخرة جاز ان يكون النّار بدلا منه بدل ـ الاشتمال ، وجاز ان يكون مبتدء وقوله تعالى (يُعْرَضُونَ) خبره والجملة تفسيرا لسوء العذاب ، وان كان المراد به عذاب فرعون في الدّنيا فالنّار مبتدء ويعرضون خبره والجملة مستأنفة منقطعة أو حاليّة حالا مقدّرة اى حالكونهم بعد سوء العذاب النّار يعرضون (عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) في اخبار كثيرة انّ هذا في نار الدّنيا يعنى نار البرزخ لانّ في نار القيامة لا يكون غدوّ وعشىّ وامّا نار الخلد فهو قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) بتقدير القول ، وقرئ ادخلوا من الثّلاثىّ المجرّد (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ) الاتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) المتبوعين (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) قد مضى الآية في سورة إبراهيم (ع) وقد مضى مكرّرا انّ أمثال هذه تعريض بمنافقى الامّة (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا