في الصّورتين المتقابلتين وينسب هذا التّردّد الى الله تعالى كما ينسب افعال القوى الانسانيّة الى النّفوس ، وهكذا حال نسبة البداء الى الله تعالى وقد يتّصل المكاشف من النّبىّ (ص) أو الولىّ (ع) بتلك الألواح فيشاهد فيها بعض الأسباب والمسبّبات ولا يشاهد منافيات تلك الأسباب والمسبّبات ان كان منافياتها ثابتة فيها الضيق النّفوس البشريّة الخياليّة عن الاحاطة بجميع ما ثبت فيها فيخبر بذلك ولا يقع ما يخبر به فينسب البداء الى تلك الألواح لقصور نظره لا لعدم ثبت ما وقع ، وما كذب في ذلك لانّه أخبر عن عيانه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) لمّا كان اقتضاء العبوديّة الخروج من الانانيّة والتّعلّق بالحقّ الاوّل تعالى شأنه وكان اقتضاء ذلك التّعلّق استدعاء استقلال الحقّ بالانانيّة في وجود العبد قال تعالى في مقام يستكبرون عن دعائي يستكبرون عن عبادتي اشارة الى هذا التّلازم (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) صاغرين (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) الجملة مستأنفة جواب لسؤال مقدّر وتعداد لنعمه تعالى على العباد في مقام التّعليل (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) قد سبق الآية مع بيانها في سورة يونس (ع) (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بحسب مقاماتهم النّباتيّة والحيوانيّة والانسانيّة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) نعمه وفضله عليهم لانكار بعضهم مبدء عليما قديرا ذا عناية بالخلق ، وعدم تفطّن بعضهم بكون النّعم منه ، وعدم تفطن بعضهم بنفس النّعمة ، وغفلة بعضهم عن المنعم والنّعمة (ذلِكُمُ اللهُ) الموصوف بأنعام تلك النّعم (رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) اثبت اوّلا ربوبيّته لهم حتّى يتنبّهوا بانّه المستحقّ للعبادة دون غيره الّذى لم يكن له سمة الرّبوبيّة ثمّ ذكر خالقيّته لكلّ الأشياء ، ومنها معبوداتهم ، ثمّ حصر الآلهة فيه نفيا لالهة معبوداتهم بعد ما أشار الى عنايته بخلقه وافضاله عليهم ليظهر بطلان انصرافهم الى غيره قبل انكار الانصراف (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ كَذلِكَ) الصّرف مع وضوح بطلانه (يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ) في مقام أبدانكم ومقام أرواحكم (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) في كلا المقامين (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من الأرزاق الطّيّبة النّباتيّة الارضيّة فانّ رزق مقام نبات الإنسان أطيب أرزاق سائر الحيوان بحسب الشّرف واللّطف واللّذّة والنّصح ، ومن الأرزاق الطّيّبة الحيوانيّة الارضيّة والسّماويّة فانّ رزق الحيوان هو الالتذاذ بغذاء النّبات والالتذاذ بإدراك مدارك الحيوان ومن الأرزاق الطّيّبة الانسانيّة السّماويّة من العلوم والمكاشفات والمعاينات والتّحقّق بالحقائق (ذلِكُمُ) الموصوف بتلك الأوصاف (اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) مدح نفسه على خلق الإنسان وتهيّة رزقه بحسب جملة مقاماته من ألطف المأكول والمشروب والمدرك والمتخيّل والمعلوم والمكشوف لانّ في خلقه دقائق عظيمة عديدة وصنائع متقنة وحكما بالغة يعجز عن إدراكها العقول ، وكذا في تهيّة أسباب رزقه بحسب مقاماته الثّلاثة (هُوَ الْحَيُ) بعد ما أشار الى بعض إضافاته بالنّسبة الى خلقه أشار الى بعض صفاته الحقيقيّة تعريضا بمعبوداتهم وفنائها وتعريضا بهم وبموتهم وانتهائهم اليه ليكون حجّة على عبوديّتهم لله وبطلان معبوديّة غيره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كرّره للاهتمام بتوحيده في مقام ردّ آلهتهم (فَادْعُوهُ) يعنى إذا كان هو الباقي والباقون هم الفانين فادعوه ولا تتركوا دعاءه ولا تدعوا غيره لفنائكم وانتهائكم اليه لبقائه ولفناء غيره (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) اى الطّريق أو الأعمال الشّرعيّة الملّيّة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إنشاء حمد منه تعالى على تفرّده بالآلهة كما ورد عن السّجّاد (ع): إذا قال أحدكم : لا اله الّا الله فليقل : الحمد لله ربّ العالمين فانّ الله يقول : هو الحىّ (الآية) فانّ ظاهره الأمر بإنشاء الحمد عند توحيده ، أو اخبار منه بحصر الحمد فيه تعالى بعد حصر