يا ربّ كان ظنّى بك ان تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنّتك ، قال : فيقول الجبّار : يا ملائكتى لا وعزّتى وجلالي وآلائي وعلوّى وارتفاع مكاني ما ظنّ بى عبدي هذا ساعة من خير قطّ ولو ظنّ بى ساعة من خير ما روّعته بالنّار ، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنّة ، ثمّ قال رسول الله (ص) : ليس من عبد يظنّ بالله عزوجل خيرا الّا كان عند ظنّه به وذلك قوله عزوجل (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) يعنى سواء عليهم صبروا أو جزعوا أو سألوا الرّاحة والرّضا (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) يسترضوا (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) من المعطون للرّضا (وَقَيَّضْنا) عطف على نجّينا والمعنى انّا قدّرنا وسبّبنا (لَهُمْ) في الدّنيا (قُرَناءَ) يعنى شياطين الانس والجنّ (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) قد مضى مكرّرا انّ ما بين أيديهم فسّر بالدّنيا وبالآخرة وكذا قوله تعالى (وَما خَلْفَهُمْ) يعنى انّ القرناء زيّنوا لهم الشّهوات ومقتضى السّبعيّة والشّيطانيّة وزيّنوا لهم ما ظنّوه وقالوا في امر الآخرة من الرّدّ والإنكار ، أو بان قالوا ان رددنا الى ربّنا لكان لنا خيرا منها منقلبا (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) بسوء أعمالهم وأقوالهم وأحوالهم (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) من الأمم الفاجرة (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) اى مطلق القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) (وَالْغَوْا فِيهِ) لغي في قوله كسعى ودعا ورضى اخطأ والمقصود اقرأوه مغلوطا مخلوطا بغيره أو ادخلوا على قرّائه ما ليس منه أو عارضوه بالباطل واللّغو (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) قرّاءه أو تغلبون محمّدا (ص) (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ) بإزاء جميع أعمالهم حسناتها وسيّئاتها كبائرها وصغائرها (أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) نفس أسوء أعمالهم أو جزاء أسوء أعمالهم على تجسّم الأعمال وجزائها بالجزاء الاخروىّ ، وقد مرّ بيان جزاء الأعمال للمؤمن بأحسن اعماله وبيان معاني هذه العبارة في سورة التّوبة (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) كثرة وجوه اعراب الآية لا تخفى على العارف بقوانين الاعراب (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أتى بالماضي لتحقّق وقوعه ، أو لكونه ماضيا بالنّسبة الى من خوطب به (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) قد فسّر المضلّان من الجنّ والانس بإبليس الّذى عصى الله اوّل ما عصى وبقابيل من آدم (ع) وبإبليس الّذى دخل في شوريهم في دار النّدوة وفي غيرها فأضلّهم عن الحقّ (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) انتقاما منهما (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) من حيث المذلّة والمكان (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : هذا حال ـ الكافرين والمنافقين ، فما حال المؤمنين بالولاية والمقرّين بالخلافة؟ فقال : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) انّما قال : قالوا ربّنا ، دون علموا وأيقنوا وشاهدوا لانّه اشارة الى الإسلام والبيعة العامّة النّبويّة وبالإسلام ، وبتلك البيعة لا يحصل الّا الإقرار بانّ الله ربّ ولو حصل اعتقاد بذلك كان ذلك الاعتقاد من علوم النّفس المنفكّة عن معلوماتها المعبّر عنها بالظّنون كما أشرنا اليه في مطاوى ما سلف ، وقد ورد في الاخبار انّ الإسلام إقرار باللّسان دون الايمان (ثُمَّ اسْتَقامُوا) اى اعتدلوا ، والاعتدال الاضافىّ لا يحصل الّا بالبيعة الايمانيّة الولويّة الخاصّة كما انّ الاعتدال الحقيقىّ الّذى هو عبارة عن الخروج من الاعوجاج في جميع المراتب لا يحصل الّا بتلك البيعة والعمل بشروطها فان أريد بالاعتدال الاعتدال الاضافىّ كان المراد بالمعتدلين مطلق من بايع البيعتين ودخل في امر الائمّة ، ودخل الايمان في قلبه كما ورد في الاخبار تفسيرهم بشيعتهم ان أريد الاعتدال الحقيقىّ كان المراد الأنبياء والأولياء (ع) كما فسّروا بالأئمّة وإذا أريد الشّيعة من المستقيمين كان نزول الملائكة على بعضهم في مطلق الحيوة الدّنيا وعلى بعضهم خاصّا بوقت الاحتضار وكان معنى قوله : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ