مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) بالقحط والرّجز والطّوفان والجراد والقمّل (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) من غيّهم ويصدّقون رسولنا (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) نادوه بهذا الاسم تعظيما له لانّ السّحر كان له قدر عظيم عندهم ، أو لانّ السّاحر كان اسما لكلّ عالم ماهر ، وقيل : انّما قالوا ذلك استهزاء بموسى (ع) فانّهم لغاية حمقهم وشدّة عنادهم ما تركوا الاستهزاء به في حال الشّدّة والابتلاء ، وقيل : انّ السّاحر من سحر بمعنى غلب في السّحر والمعنى يا ايّها الّذى ساحرنا فغلبنا بسحره (ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) يعنى ان كشفت عنّا فانّا آمنون بك كما مضى الآية في سورة الأعراف وقد مضى بيانها أيضا (فَلَمَّا كَشَفْنا) اى فدعا موسى (ع) فكشفنا فلمّا كشفنا (عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) ينقضون يعنى كلّما عذّبناهم بعذاب قالوا ذلك وكلّما كشفنا عنهم نقضوا عهدهم (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) يعنى بعد ما كشفنا عنهم العذاب خاف فرعون على ملكه وخاف ان يقرّ بموسى بعض أهل مملكته فجمع النّاس وخطبهم وموّه عليهم بإظهار حسن حاله في الدّنيا ورثاثة حال موسى (ع) فيها (قالَ يا قَوْمِ) لا تبالوا بموسى وما رأيتموه منه من كشف العذاب فانّى ابسط منه يدا وأكثر مالا وأقوى تصرّفا (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) اشارة الى بسط يده في البلاد (وَهذِهِ الْأَنْهارُ) اى أنهار النّيل ، قيل : كان معظمها اربعة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) اى من تحت قصرى أو من تحت أمري فانّهم كانوا معتقدين انّ النّيل يجرى بأمره (أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ) بهذه الأموال والجمال وحسن الحال وحسن الصّورة وحسن السّيرة وكثرة البسطة والسّعة (مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) حقير ليس له شيء من هذا الّذى ترونه علىّ (وَلا يَكادُ يُبِينُ) الكلام ويقرّر المرام يعنى انّه مهين بحسب البسطة والسّعة والزّينة ، ومهين بحسب حاله في نفسه فانّه لا يقدر على أداء الكلام ، وأم منقطعة مجرّدة عن الهمزة ، أو متضمّنة لها ، أو متّصلة والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) قيل : كانوا إذا سوّروا رجلا سوّروه وطوّقوه بسوار وطوق من ذهب ، موّه عليهم وقاس السّيادة من الله بالسّيادة من الخلق وقال : إذا كان رسولا ونائبا من الله فلم لا يلقى عليه من الله اسورة من ذهب حتّى يكون علامة لسيادته ، وقرئ : القى مبنيّا للمفعول ، واسورة مرفوعا ومبنيّا للفاعل ، واسورة منصوبا ، وقرئ : اسورة واساورة واساوير وأساور (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) اى مصطفّين فانّه يقول : انّ لله الّذى يدّعى الرّسالة منه ملائكة كثيرة فان كان صادقا في رسالته من الله الموصوف بما وصف فليكن صفوف من الملائكة معه ليكونوا جنوده ، ومعينين له في أموره ، وحافظين له عن الواردات والأعداء (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) اى طلب منهم الخفّة والسّرعة في خدماته بهذه التّمويهات أو فاستخفّ أحلامهم (فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونا) أحزنونا ، أسف كفرح حزن اشدّ الحزن ، وأسف عليه غضب ، وباىّ معنى كان لا يكون لائقا بشأن الله ، ولذلك ورد عن الصّادق (ع): انّ الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنّه خلق أولياءه لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه وذلك لانّه جعلهم الدّعاة اليه والادلّاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس ان ذلك يصل الى الله كما يصل الى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك وقال أيضا : من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ، وقال أيضا : من يطع الرّسول فقد أطاع الله وقال أيضا (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) وكلّ هذه وشبهه على ما ذكرت لك ، وهكذا الرّضا والغضب وغيرهما من الأشياء ممّا يشاكل ذلك ، ولو كان يصل الى المكوّن الأسف والضّجر وهو الّذى أحدثهما وانشأهما لجاز لقائل ان يقول : انّ المكوّن يبيد يوما ، لانّه إذا دخله الضّجر والغضب