دخله التّغيّر ، وإذا دخله التّغيّر لم يؤمن عليه بالابادة ، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوّن من المكوّن ، ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علوّا كبيرا ، هو الخالق للأشياء لا لحاجة فاذا كان لا لحاجة استحال الحدّ والكيف فيه ، فافهم ذلك ان شاء الله (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) من قبيل عطف التّفصيل على الإجمال (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) متقدّمين ليتّعظوا بهم ويعتبروا بأفعالهم وما لهم وما عليهم وهو مصدر وصف به ، أو جمع للسّالف كالخدم للخادم وقرئ سلفا بضمّ السّين واللّام جمعا للسّليف كالرّغيف ، أو للسّالف أو للسّلف كالخشب ، وقرئ بضمّ السّين وفتح اللّام على انّه مخفّف سلف بالضّمّتين ، أو جمع سلفة بمعنى السّالفين ، (وَمَثَلاً) المثل في الأصل بمعنى الشّبيه لكنّه جعل بالغلبة اسما لأمر غريب سلف يشبّه به كلّ امر حادث فيه غرابة يعنى جعلناهم بحيث يضرب بهم الأمثال لكلّ من فعل فعلا قبيحا يقع بسببه في بليّة (لِلْآخِرِينَ) اى الآتين على عقبهم (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) لعلىّ بن ابى طالب (ع) اى لمّا اجرى ابن مريم حالكونه مشبّها به لعلىّ بن ابى طالب (ع) كما ذكر في اخبار كثيرة (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ) اى من علىّ (ع) أو من هذا التّشبيه (يَصِدُّونَ) يضجّون أو يعرضون أو يمنعون وقرئ يصدّون بضمّ الصّاد وبكسرها ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : الصّدود في العربيّة الضّحك هذا ما وصل إلينا في اخبار كثيرة نشير الى شطر منها ، وقيل : معناه ولمّا ضرب ابن مريم مثلا وشبيها بالآلهة في العذاب فانّه لمّا نزل انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم ، قال المشركون : قد رضينا بان تكون آلهتنا حيث يكون عيسى (ع) ومعنى إذا قومك منه يصدّون يضجّون نحو ضجيج المجادلين حيث خاصموك في تمثيلهم لعيسى (ع) بآلهتهم ، وقيل : لمّا ضرب الله المسيح مثلا بآدم (ع) في قوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) خاصم بعض قريش النّبىّ (ص) فنزلت ، وقيل : لمّا مدح النّبىّ (ص) المسيح (ع) قالوا : انّ محمّدا (ص) يريد ان نعبده كما عبدت النّصارى عيسى (ع) ، وروى بينا رسول الله (ص) ذات يوم جالس إذ اقبل أمير المؤمنين (ع) فقال له رسول الله (ص) : انّ فيك شبها من عيسى بن مريم (ع) ، لو لا ان تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم (ع) لقلت فيك قولا لا تمرّ بملاء من النّاس الّا أخذوا التّراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة ، قال : فغضب الاعرابيّان والمغيرة بن شعبة وعدّة من قريش معهم فقالوا : ما رضى ان يضرب لابن عمّه مثلا الّا عيسى بن مريم ..! فأنزل الله على نبيّه ولمّا ضرب ابن مريم مثلا (الى قوله) لجعلنا منكم يعنى من بنى هاشم ملائكة في الأرض يخلفون ، وبهذا المضمون باختلاف يسير في اللّفظ اخبار كثيرة (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) اى عيسى يعنى انّ عيسى (ع) خير من آلهتنا فاذا كان هو في النّار فرضينا ان يكون آلهتنا في النّار ، أو هو كناية عن محمّد (ص) فانّهم قالوا : يريد ان نعبده كما عبد النّصارى المسيح ، وآلهتنا خير منه وهو ينهانا من عبادتها ، أو المعنىءآلهتنا خير أم المسيح وكان مرادهم الزام محمّد (ص) فانّه لمّا مدح المسيح أرادوا ان يقولوا : ان كان عبادة غير الله جائزا ظنّا منهم انّه صلىاللهعليهوآله في مدحه لعيسى يجوّز عبادة النّصارى له فليجز عبادة آلهتنا ، أو المراد آلهتنا خير أم علىّ (ع)؟! وهو يمثّل عليّا بعيسى (ع) (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) اى لأجل المجادلة معك (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) كثير المخاصمة ولذلك يخاصمونك (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ) اى ان علىّ (ع) أو محمّد (ص) أو عيسى (ع) ولكن في أخبارنا ان علىّ (ع) الّا عبد (أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً) متمثّلا ومتصوّرا (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) بصورة عيسى بن مريم ، أو جعلناه شبيها بعيسى (ع) لانتفاع بنى إسرائيل الّذين هم أولاد الأنبياء (ع) بحسب الجسم أو الرّوح