قال الله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ، واظنّ انّ من طلب في زماننا هذا صديقا بلا عيب بقي بلا صديق ، ولمّا ذكر حال ذلك اليوم وشدّته بالنّسبة الى المخالفين والمنافقين نادى عباده المخصوصين تلطّفا بهم وتسكينا لخوفهم منه فقال (يا عِبادِ) الّذين آمنوا بالولاية فانّه لا يصير الإنسان عبدا لله تكليفا الّا بعد قبول الولاية ولذلك بيّنهم بقوله الّذين آمنوا بآياتنا (الى آخر الآية) (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) فانّ شدّته لمن كان معرضا عن صاحب ذلك اليوم وهو علىّ (ع) (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) وقد مضى في اوّل البقرة وفي غيرها بيان لاختلاف الفقرتين من هذه العبارة (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا) صفة بيانيّة أو خبر لمحذوف اى أنتم الّذين آمنوا ، أو مبتدء خبره ادخلوا الجنّة بتقدير القول ، أو خبره يطاف عليهم والمراد بالايمان بالآيات الايمان بصاحبي الولاية من حيث ولايتهم من الأنبياء والأولياء (ع) لا من حيث رسالتهم أو خلافتهم للرّسالة (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) اى منقادين أو مسلمين بالبيعة العامّة النّبويّة والمقصود من الإتيان بالإسلام مع الايمان الاشعار بانّ كلّا منهما غير صاحبه فمن سمّى بالمسلم بمحض البيعة العامّة فلا يسمّى بالمؤمن بمحض ذلك وليطلب حقيقة الايمان وما به يصدق عليه المؤمن (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) الموافقات لكم سواء كنّ مؤمنات أو لم تكنّ فانّ كرامة المؤمن تقتضي دخول آبائه وأزواجه وذرّيّاته الجنّة بسببه (تُحْبَرُونَ) الحبر بالفتح السّرور والنّعمة ، والحبير كأمير البرد الموشّى والثّوب الجديد ، والحبرة السّماع في الجنّة ، وكلّ نعمة حسنة ، والمبالغة فيما وصف بجميل ، ويجوز ان يكون من كلّ من تلك الموادّ (يُطافُ عَلَيْهِمْ) التفات فيه تجديد نشاط (بِصِحافٍ) جمع الصّحفة بمعنى القصعة (مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) جمع الكوب بالضّمّ كوز لا عروة له ، أو لا خرطوم له (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) فانّ النّعيم الزّائل مستعقب لا لم زواله ومشوب لذّته بالم خوف زواله وزحمة حفظه من الزّوال (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قد مضى الآية في سورة الأعراف مع بيان كيفيّة الايراث (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ) عدّ اللّذايذ الاخرويّة بصورة ما يلتذّ به المدارك الحيوانيّة لكون أغلب النّاس غير متجاوز عن مرتبة الحيوان والّا فالملتذّ بلذّة الحضور لا يلتفت الى المأكول والمشروب وسائر ملاذّ الحيوان ، وإذا عممت الأكل والشّرب وسائر مقتضيات مدارك الحيوان عممت ملاذّ الملتذّ بلذّة الحضور أيضا (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) كأنّه قيل : هذا للمطيعين فما للمجرمين؟ ـ فقال : انّ المجرمين (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) وقد فسّروا بأعداء آل محمّد (ص) (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) لا يخفّف عنهم (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) متحيّرون ساكتون عمّا في أنفسهم لغاية خوفهم وحيرتهم (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) قد مضى في سورة هود هذه الآية وانّه يظنّ انّ الأليق بسياق العبارة ان يقال : وما نحن ظلمناهم ولكنّهم ظلموا أنفسهم ومضى هناك وجه كونه أليق والجواب عنه (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) سألوا المالك ان يسأل الله موتهم لغيبتهم عن الله وعدم وصولهم اليه حتّى يسألوا بأنفسهم خلاصهم بالموت عن العذاب (قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) في العذاب لا خلاص لكم من العذاب (لَقَدْ جِئْناكُمْ) جواب سؤال مقدّر من المالك أو من الله في مقام التّعليل (بِالْحَقِ) المخلوق به وهو المشيّة الّتى هي الولاية المطلقة الّتى هي علىّ (ع) بعلويّته ، والقمّىّ : هو قول الله عزوجل : وقال يعنى بولاية أمير المؤمنين (ع) (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) وقال القمّىّ : يعنى لولاية أمير المؤمنين (ع) (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) بعد حكاية