وكان المراد بالّذين يدعون الّذين يدعون الخلق بلسانهم أو بحالهم وخلقتهم الى أنفسهم ، وان كان المراد بالّذين يدعون التّابعين الّذين يعبدون الأصنام وغيرها فالاستثناء من المفعول المحذوف ومفرّغ ، وقيل : ان النّضر بن الحارث ونفرا من قريش قالوا : ان كان ما يقوله محمّد (ص) حقّا فنحن نتولّى الملائكة وهم احقّ بالشّفاعة لنا منه ، فنزلت ، والمعنى الّا لمن شهد بالحقّ اى الولاية فيكون الاستثناء مفرّغا (وَهُمْ) اى الّذين يدعون (يَعْلَمُونَ) انّهم لا يملكون الشّفاعة ، أو الّذين يشهدون بالحقّ يعلمون الحقّ لا ان يكون شهادتهم مخالفة لما في قلوبهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لاعترافهم بانّ آلهتهم ما خلقوا شيئا من ذلك (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) مع هذا الإقرار (وَقِيلِهِ) اى قول الرّسول ، وقرئ قال الرّسول ، وقرئ قيله بالجرّ عطفا على السّاعة ، وبالنّصب عطفا على سرّهم ، أو على محلّ السّاعة ، أو بتقدير فعل من لفظه اى قال الرّسول (ص) قيله ، وبالرّفع مبتدء خبره (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) أو الخبر محذوف اى قيله يا ربّ مسموع لنا (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) اى اعرض أو طهّر القلب عنهم (وَقُلْ سَلامٌ) مداراة أو متاركة لا تحيّة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) تهديد لهم بسوء العاقبة وسوء المجازاة.
سورة الدّخان
مكّيّة كلّها ، وهي تسع وخمسون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) الظّاهر أو المظهر فضل من نزّل عليه ، أو صدقه ، أو ظاهر المعنى ، أو ظاهر الآثار (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) من مقامه العالي الّذى هو مقام المشيّة ، أو مقام الأقلام العالية ، أو مقام اللّوح المحفوظ (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) هي ليلة القدر وقد مرّ في سورة البقرة كيفيّة نزول القرآن في ليلة القدر ونزوله في مدّة ثلاث وعشرين سنة عند قوله : شهر رمضان الّذى انزل فيه القرآن (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).
اعلم ، انّ مراتب العالم بوجه غير متناهية ، وبوجه سبعون ألفا ، وبوجه سبع ، وبوجه ستّ ، وكلّ مرتبة دانية بالنّسبة الى المرتبة العالية تسمّى ليلا لاختلاطها بظلمة الإمكان وظلمة الكثرة والفرق أكثر من المرتبة العالية ، كما انّ المرتبة العالية بالنّسبة الى المرتبة الدّانية تسمّى يوما ، ولذلك ترى التّعبير عن المراتب في الآيات والاخبار في النّزول باللّيالى وفي الصّعود بالايّام لاعتبار المنزل اليه بالنّسبة الى المنزل منه الّذى هو المرتبة العالية والعليا واعتبار المصعود اليه بالنّسبة الى المصعود منه الّذى هو المرتبة الدّانية والدّنيا ، وانّ عالم المثال من العالم الكبير مثل الخيال من العالم الصّغير فكما انّ الإنسان كلّما أراد ان يفعله يتصوّره اوّلا بنحو كلّىّ في مقام العقل ثمّ ينزّله عن مقام العقل الى مقام الخيال فيقدّر قدره ويتصوّر خصوصيّاته ومشخّصاته ثمّ ينزّله بتوسّط القوى المحرّكة وتحريك الأعضاء الى الخارج كذلك كان فعل الله وحال الخيال الكلّىّ فانّ الله إذا أراد ان يفعل فعلا ينزّله من عرش المشيّة الى العقول الكلّيّة والنّفوس الكلّيّة اللّتين يعبّر عنهما بالأقلام العالية والألواح الكلّيّة ثمّ منهما الى عالم المثال وما لم يصل الأمر الى عالم المثال كان بسيطا مجملا غير ممتاز بحسب الوجود العلمىّ بعضه من بعض وكان موجودا بوجود واحد بسيط ،