وفي عالم المثال يصير متفرّقا ممتازا بعضه من بعض كما يكون الأمر في خيال الإنسان كذلك ، فانّ المريد للدّار يتصوّر اوّلا دارا كلّيّا فاذا تنزّلت الى مقام الخيال يتصوّرها بصورة جزئيّة مربّعة متساوية الأضلاع أو مربّعة طولانيّة أو غير ذلك مشتملة على بيوت ممتازة بعضها عن بعض ، ومشتملة على مشخّصاتها من مكانها وزمانها وغير ذلك من مشخّصاتها ، وقد ينفسخ عزيمته لتلك الدّار الموصوفة بالمشخّصات فيمحوها عن خياله ويتصوّر غيرها ، وقد يتردّد في تعمير هذه الدّار ودار اخرى بنحو آخر ، كما انّ البداء والتّردّد والمحو والإثبات المنسوب الى الله يكون من هذا القبيل وفي هذا العالم كما مضى الاشارة اليه في سورة المؤمن ، فالأمر المحكم الّذى لا يتطرّق البطلان والمحو والإثبات والنّسخ والتّشابه اليه يتنزّل من عالم الأمر الّذى لا يكون فيه وجود ممتاز عن وجود ولا يكون فيه نقص وشرّ وبطلان ومحو الى عالم المثال الّذى يفرق فيه كلّ امر من آخر ويتطرّق المحو والإثبات والبطلان اليه ، ويتطرّق التّشابه الّذى هو عدم ثبات المعنى وتطرّق النّسخ والمحو اليه وهو ليلة القدر الّتى ليست لملك بنى أميّة ، وكلّما يوجد في هذا العالم لا بدّ وان ينزّل من عالم العقول والنّفوس الى ذلك العالم ويقدّر قدره فيه ثمّ يظهر في هذا العالم ، كما انّ كلّما يظهر على الأعضاء لا بدّ وان ينزّل من العقل الى الخيال فيقدّر قدره ، ثمّن يظهر على الأعضاء ، ولمّا كانت النّفوس كلّيّة كانت أو جزئيّة متّحدة مع فاطمة (ع) في مقامها النّازل ومظهرا لها (ع) جاز تفسير ليلة القدر بها ، كما عن الكاظم (ع) حين سأله نصرانىّ عن تفسير هذه الآية في الباطن ، فقال : امّا حم فهو محمّد (ص) وهو في كتاب هود الّذى انزل اليه وهو منقوص الحروف ، وامّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علىّ (ع) ، وامّا اللّيلة ففاطمة (ع) ، وامّا قوله فيها يفرق كلّ امر حكيم يقول يخرج منها خير كثير فرجل حكيم ، ورجل حكيم ، ورجل حكيم (الى آخر الحديث) ، وعن الباقر (ع) والصّادق (ع) والكاظم (ع) اى أنزلنا القرآن واللّيلة المباركة هي ليلة القدر انزل الله سبحانه القرآن فيها الى البيت المعمور جملة واحدة ، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول الله (ص) في طول عشرين سنة ، وعن الباقر (ع) قال : قال الله عزوجل في ليلة القدر فيها يفرق كلّ امر حكيم قال ينزل فيها كلّ امر حكيم والمحكم ليس بشيئين انّما هو شيء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى انّه مصيب فقد حكم بحكم الطّاغوت ، انّه لينزل في ليلة القدر الى ولىّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في امر نفسه بكذا وكذا ، وفي امر النّاس بكذا وكذا ، وانّه ليحدث لولىّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم الله الخاصّ والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك اللّيلة من الأمر ثمّ قرأ : ولو انّ ما في الأرض من شجرة أقلام (الآية) ؛ والغرض من نقل هذا الخبر بيان قوله (ع) فمن حكم بما ليس فيه اختلاف (الى قوله) فقد حكم بحكم الطّاغوت لانّه يظنّ في بادي الأمر انّ في حكم الائمّة أيضا اختلافا ، لانّه ما من مسألة الّا وفيها اخبار متخالفة أو متضادّة أو متناقضة صادرة عنهم ، وقد ذكر صاحب التّهذيب رحمهالله في اوّل التّهذيب : «ذاكرني بعض الأصدقاء ايّده الله ممّن أوجب حقّه بأحاديث أصحابنا ايّدهم الله ورحم السّلف منهم وما وقع فيها من الاختلاف والتّباين والمنافاة والتّضادّ حتّى لا يكاد يتّفق خبر الّا وبإزائه ما يضادّه ولا يسلم حديث الّا وفي مقابلته ما ينافيه حتّى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطّعون على مذهبنا ، وتطرّقوا بذلك الى ابطال معتقدنا ، وذكروا انّه لم يزل شيوخكم السّلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الّذى يدينون الله به ويشنّعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع ويذكرون انّ هذا ممّا لا يجوز ان يتعبّد به الحكيم ولا ان يبيح العمل به العليم وقد وجدناكم اشدّ اختلافا من مخالفيكم وأكثر تباينا من مباينيكم ، ووجود هذا الاختلاف منكم مع اعتقادكم بطلان ذلك دليل على فساد الأصل حتّى حصل على جماعة ممّن ليس لهم قوّة في العلم ولا بصيرة بوجود النّظر ومعاني الألفاظ الشّبهة ، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحقّ لما اشتبه عليه الوجه في ذلك وعجز