عن حلّ الشّبهة فيه ، سمعت شيخنا أبا عبد الله ايّده الله يذكر انّ أبا الحسين الهادونىّ العلوىّ كان يعتقد الحقّ ويدين بالامامة فرجع عنها لمّا التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره لما لم يتبيّن له وجوه المعاني فيها ، وهذا يدلّ على انّه دخل فيه على غير بصيرة واعتقد المذهب من جهة التّقليد.»
وتحقيق ذلك انّ مراتب الرّجال متفاوتة في الدّين فانّ للايمان عشر درجات ولكلّ درجة عشرة أجزاء ، فمنهم من يكون على جزء من أجزاء الدّرجة الاولى ، ومنهم من يكون على جزئين ومنهم من يكون على الدّرجة الثّانية بأجزائها وهكذا ولو ذهب تحمل صاحب الدّرجة الاولى على الدّرجة الثّانية أهلكته كما أشير اليه في الاخبار ، وصاحب كلّ درجة له حكم غير حكم صاحبه كما حقّقنا ذلك في سورة البقرة عند تحقيق النّسخ في قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) (الآية) فمن لم يكن له بصيرة بمراتب الرّجال وباختلاف أحوالهم لا يحكم بحكم الّا ويتطرّق اليه الاختلاف بحسب اعتقاده ، فانّه كما يظنّ انّ هذا حكم هذا الرّجل يجوّز ان يكون حكمه غير هذا ، وهذا معنى قوله (ع) من حكم بأمر فيه اختلاف يعنى بحسب اعتقاده فرأى انّه مصيب فقد حكم بحكم الطّاغوت لانّ حكم هذا الحاكم ليس الّا من رأيه المنسوب الى انانيّته لا من حكم الله ، ومن كان بصيرا بمراتب الرّجال وبصيرا بالاحكام وبكيفيّة تعلّقها بالرّجال بحسب مراتب ايمانهم لا يحكم الّا عن اراءة الله كيفيّة تعلّق الأحكام بالرّجال ولا يحكم عن قياس ورأى ولا يكون في حكمه هذا اختلاف بمعنى انّه لا يجوّز ان يكون حكم مخالف لهذا الحكم يخلفه لانّه حكم عن رؤية لا عن رأى وقياس ، ولمّا كان مراتب الرّجال ودرجاتها في الايمان غير متناهية فالاحكام أيضا تكون غير متناهية ، وربّما يكون لشخص واحد بحسب توارد أحوال مختلفة عليه احكام متخالفة متواردة عليه ، ووجه اختلاف الاخبار في الأحكام ليس محض التّقيّة ولا محض اختلاط الأكاذيب والاغلاط بها بل كان عمدة وجه اختلاف الاخبار اختلاف أحوال الرّجال ، ولو لا اختلاف الاخبار في المسألة الواحدة بالنّسبة الى اشخاص عديدة كان ينبغي ان يترك المذهب لا انّ اختلافها كذلك ينبغي ان يصير سببا للخروج من المذهب كما قاله الشّيخ رحمهالله في التّهذيب (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) تفخيم لذلك الأمر الحكيم وهو تميز عن نسبة الحكيم الى ضمير الأمر ، أو حال ممّا يجوز ان يكون حالا منه ، أو منصوب بفعل محذوف تقديره اعنى امرا من عندنا ، أو مفعول له ليفرق اى لكونه مأمورا من عندنا ، أو مفعول مطلق لفعله المحذوف (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) بدل من (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) أو تعليل لقوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يعنى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) لانّ من عادتنا إرسال الرّحمة ، أو من عادتنا إرسال الرّسل ولازم إرسال الرّسل تفريق الأمر الحكيم في ليلة القدر ورحمة مفعول به أو مفعول له ، ووضع من ربّك في موضع الضّمير للاشعار بانّ ربوبيّته تقتضي ذلك (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لا سميع سواه فيسمع أقوال العباد بألسنتهم القاليّة والحاليّة والاستعداديّة (الْعَلِيمُ) لا عليم سواه فيعلم ما يسألونه بألسنتهم القاليّة والحاليّة ومقتضى ربوبيّته وسماعه وعلمه بما يصلح السّائل وما يفسده ان يرسل رسولا وينزّل احكاما بحسب مسئول العباد (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قرئ بالرّفع خبرا بعد خبر أو خبرا لمحذوف ، أو مبتدء خبره لا اله الّا هو أو يحيى ويميت أو ربّكم وربّ آبائكم الاوّلين (وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) علمتم ذلك (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) ولكن ليس لهم يقين (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) بالدّين ويجعلونه آلة اشتغال خيالهم واطمينانه (فَارْتَقِبْ) اى فانتظر مراقبا لهم (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ) يحيط الدّخان أو اليوم بسبب الدّخان بالنّاس (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما هذا الدّخان؟ ـ فقال : هذا عذاب