يدركون بعقولهم بعد اليقين أو يصيرون عقلاء وصاحبي مقام العقل بعد ان كانوا موقنين وصاحبي مقام القلب ، ولخفاء دلالتها على مبدء مدبّر حكيم عليم رؤف رحيم خصّصها بالعقلاء (تِلْكَ) المذكورات (آياتُ اللهِ) الدالّة عليه أو النّاشئة منه (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) متلبّسين أو متلبّسات بالحقّ الّذى هو الولاية المطلقة (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ) بعد إنكاره (وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ) كذّاب (أَثِيمٍ) بالغ في الإثم (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ) على كفره أو على جحوده لولاية علىّ (ع) (مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) اى إذا رأى من آياتنا العظمى الّذين هم مظاهر الولاية (اتَّخَذَها هُزُواً) اى الآيات أو الشّيء المرئىّ ، والتّأنيث باعتبار المعنى (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) اى من وراء عذابهم المهين جهنّم ، أو هو بيان للعذاب المهين (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا) من الأموال والأولاد ، أو من الأعمال الّتى فعلوها في الإسلام ، فانّ شرط قبولها واغنائها عن عذاب الله عدم ردّ الولاية ان كان موتهم في زمن الرّسول (ص) ، وقبول الولاية ان كان بعد زمن الرّسول (ص) (شَيْئاً) من عذاب الله (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) نفسه أو من دون مظاهر الله وخلفائه (أَوْلِياءَ) في العبادة كالأصنام والكواكب ، وأولياء في الطّاعة مثل رؤساء الضّلالة (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) تأكيد على التّأكيد (هذا) اى المذكور من الآيات أو القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) ، أو هذا الأمر من ولاية علىّ (ع) أو الإسلام وقبوله واحكامه (هُدىً) الى الايمان (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) التّكوينيّة الآفاقيّة والانفسيّة وخصوصا الآيات العظمى الّذين هم خلفاء الله في الأرض والتّدوينيّة (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) الرّجز اشدّ العذاب (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) كلام منقطع عن سابقه وتعداد لنعمه على خلقه مشيرا الى كونها آيات قدرته كما انّ ما سبق كان تعدادا الآيات قدرته مشيرا الى كونها من نعمه (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بجريان الفلك والتّجارات الرّابحة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمة تسخير البحر وجريان الفلك والأرباح (وَسَخَّرَ لَكُمْ) اى لانتفاعكم أو جعل مسخّرا لكم (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فانّ السّماوات والسّماويّات مسخّرات لله لانتفاع جميع الكائنات ومسخّرات لبعض النّفوس الانسانيّة ، والأرض والارضيّات مسخّرات لله لانتفاع الإنسان ، وبعض الارضيّات مسخّرات للإنسان أيضا (مِنْهُ) قرئ منه بلفظ من الجارّة والضّمير والمعنى سخّر من قبله لا من قبلكم ومن قبل أسبابكم الطّبيعيّة أو المعنى ذلك رحمة منه ، وقرئ منّة بتشديد النّون والتّاء بالرّفع والنّصب (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) باستعمال المبادئ المشهودة والمعقولة وأخذ النّتائج منها سواء كان المستعمل مؤمنا أو موقنا أو عاقلا (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) قد سبق مكرّرا انّه تعالى للاشارة الى انّ توجّه محمّد (ص) مؤثّر فيهم بحيث يجعلهم على أوصاف الرّوحانيّين لم يأت بمقول قوله ويقتصر على لفظ قل في جزم المضارع الآتي بعده كأنّه قال : قل ما شئت وتوجّه إليهم ان تقل لهم قولا يغفروا بدون أمرك لهم بالمغفرة (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) قد مرّ بيان ايّام الله في سورة إبراهيم عند قوله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) والمراد من الّذين لا يرجون ايّام الله الّذين اشتغلوا عن دينهم بدنياهم ولا يترقّبون من دينهم الّا إصلاح دنياهم ، والّذين لم يعتقدوا مبدء أو لم يعتقدوا معادا فانّ ايّام الله عبارة عن مقامات الآخرة ودرجاتها ،