الأمم أو أعلمناك أو تفضّلنا عليك بالنّعم الصّوريّة والمعنويّة ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ، ومن هاهنا يظهر وجه الالتفات من التّكلّم الى الغيبة فانّ ذنوب الامّة ليست الّا في غيبته تعالى وكذلك مغفرتهم وذنبه الّذى هو الالتفات الى غير الله ليس الّا بالغفلة من الله غفلة لائقة بشأنه وفي غيبته ، ومغفرته الّتى لا تكون الّا للمذنب في اىّ حال كان كانت في غيبته فان اللّطيفة الحاضرة عند الله ليس لها ذنب ، واللّطيفة المذنبة لا تصير حاضرة عند الله ، وأيضا غفران الذّنوب وإتمام النّعم وسائر ما ذكر في الآية ليست الّا باسمه الجامع الّذى يعبّر عنه بالله (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) إتمام النّعمة ليس الّا لمن فتح له باب اللّاهوت وعرج عن الملكوت والجبروت اللّتين هما من عالم الإمكان الى اللّاهوت الّتى هي فوق الإمكان ، ولا يمكن ذلك الّا بهذا الفتح المذكور (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) وهو الخروج من الإفراط والتّفريط الّذى هو احدّ من السّيف وادقّ من الشّعر ، وتنكير الصّراط للتّفخيم (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) لا يوجد مثله ، أو نصرا يصير سببا للغلبة والمناعة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) قد مضى بيان السّكينة في أواخر سورة البقرة عند قوله تعالى : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (الآية) وفي سورة التّوبة وسورة يوسف (ع) ، وانّ المراد بالسّكينة ظهور ملكوت ولىّ الأمر على صدر المؤمن وبهذا الظّهور يحصل له جميع ما ورد في الاخبار من معاني السّكينة ، وهذا هو الّذى ينبغي ان يظهره الله في مقام الامتنان (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً) شهوديّا (مَعَ إِيمانِهِمْ) العلمىّ والحالىّ فانّه إذا ظهر ملكوت ولىّ الأمر على المؤمن يصير ايمانه العلمىّ قرينا لإيمانه الشّهودىّ (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كأنّه بعد ما سبق في سورة التّوبة من قوله تعالى بعد ذكر إنزال السّكينة وانزل جنودا لم تروها وايّده بجنود لم تروها كان التّأييد بالجنود الغيبيّة مسلّما بعد إنزال السّكينة فقال : وانّ الجنود الغيبيّة الّتى لا تنفكّ عن تلك السّكينة لله فهو الّذى انزل الجنود الغيبيّة للمؤمنين كما انزل السّكينة عليهم فقوله : ولله جنود السّموات مفيد معنى ايّدهم بجنود لم تروها مع شيء زائد ، أو المقصود من قوله ولله جنود السّموات والأرض تعميم الامتنان بسائر القوى والمدارك بعد الامتنان بانزال السّكينة عليهم كأنّه قال : لا اختصاص لامتناننا على المؤمنين بانزال السّكينة بل جميع المدارك والقوى الّتى هي من جنود السّماوات وجميع الأعضاء الآليّة والاعصاب والأوتار المحرّكة الّتى هي من جملة جنود الأرض من عطيّته ، أو المقصود ترغيب المؤمنين وتطميعهم بعد ذكر الامتنان بانزال السّكينة في إنزال الجنود الّتى لم يروها كأنّه قال : فاطلبوا جنود السّماوات والأرض منه (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بمصالحكم فيعلم وقت استعدادكم لانزال السّكينة ووقت إصلاحكم بها وافسادكم بها ، ويعلم وقت صلاحكم بتأييدكم بالجنود وعدم تأييدكم (حَكِيماً) لا يفعل ما يفعل الّا بعد المراقبة لجميع دقائق أحوالكم واستحقاقكم ولا يفعل ما يفعل الّا بالإتقان في فعله بحيث لا يتطرّق الخلل فيه (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) تعليل لقوله تعالى ليغفر لك الله وهذا هو المناسب لتفسير المغفرة بمغفرة ذنوب أمّته ، أو لقوله يتمّ نعمته ، أو ليهديك ، أو لينصرك الله ، أو لأنزل السّكينة ، أو ليزدادوا ايمانا ، أو لمفهوم قوله لله جنود السّماوات والأرض ، أو للجميع على سبيل التّنازع ، أو تعليل لمحذوف ، أو فعل ما فعل ليدخل المؤمنين والمؤمنات (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى في آخر سورة آل عمران بيان لكيفيّة جريان الأنهار من تحت الجنّات عند قوله فالّذين هاجروا واخرجوا من ديارهم (خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) يزيلها