كما ورد عن علىّ (ع): ما رأيت شيئا الّا ورأيت الله قبله ، كان نسبته الى الله مقدّمة على نسبته الى العبد ، ومن كان نظره الى نفسه مقدّما على نظره الى الله كان نسبته الى العبد مقدّمة ، ومن كان نظره إليهما على السّواء كان متحيّرا في التّقديم والتّأخير والى هذين النّظرين أشير في الخبر بقوله (ص): ما رأيت شيئا الّا ورأيت الله بعده وبقوله (ص): ما رأيت شيئا الّا ورأيت الله فيه ، وامّا من لم ير مثل المعتزلىّ الّا نسبة الأفعال والصّفات الى العباد فليس الكلام معه ولعلّ قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) خطاب مع هؤلاء وهم أغلب العباد ، وقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) خطاب مع الفرقة الاولى أو تنبيه للكلّ على انّ نسبة الأوصاف الى الله مقدّمة على نسبتها الى العباد (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) أتى بإذ الّتى هي للماضي لانّ نزول الآية كان بعد وقوع الواقعة ، وأتى بالمضارع بعدها للاشارة الى تكرّر الفعل فانّ البائعين في ذلك اليوم كانوا كثيرين ، وسبب رضا الله تعالى عنهم في تلك البيعة انّهم لمّا خالفوا رسول الله (ص) وقاتلوا مع قريش وانهزموا هزيمة منكرة ندموا على مخالفتهم لرسول الله (ص) وتابوا الى الله واستغفروا رسوله وبايعوا معه عن صميم القلب ولم يكن لهم حين تلك البيعة انانيّة أصلا ولذلك صاروا مستحقّين لنزول السّكينة ، وشرط عليهم الرّسول في تلك البيعة ان لا يخالفوه ولا يخالفوا قوله وأمره ، ولا ينكروا بعد ذلك عليه شيئا فعله فانّهم بعد ما انهزموا ورحل رسول الله (ص) نحو المدينة ورجع الى التّنعيم فنزل تحت الشّجرة جاؤا اليه وأظهروا النّدامة فأخذ منهم العهد والميثاق بذلك وكان اوّل من بايع رسول الله (ص) حينئذ عليّا (ع) ولقد آخى رسول الله (ص) بين كلّ اثنين اثنين منهم وآخى بين نفسه وبين علىّ (ع) (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من الصّدق والتّوبة والانابة فرضي بذلك عنهم (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) لانّهم خرجوا من انانيّاتهم والسّكينة الّتى هي صورة ملكوتيّة تدخل بيت قلب العبد إذا خرج من انانيّته كما قيل : «چو تو بيرون شوى أو اندر آيد» وقد مضى في آخر سورة البقرة وفي التّوبة بيان للسّكينة (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) هو فتح خيبر (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) هي مغانم خيبر (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغلب على مراده (حَكِيماً) لا يفعل ما يفعل ولا يعد ما يعد الّا لحكمة وغاية متقنة (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) هي ما يفيء الله على المؤمنين (ع) الى يوم القيامة أو هي مغانم مكّة وهوازن (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ) اى أيدي قريش أو أيدي الاعراب وغيرهم بقوّة الإسلام ، أو أيدي أهل خيبر وحلفائهم (عَنْكُمْ) ذكر في المجمع عن العامّة انّه لمّا قدم رسول الله (ص) المدينة من الحديبيّة مكث بها عشرين ليلة ثمّ خرج منها غازيا الى خيبر فحاصرهم حتّى أصابتهم مخمصة شديدة ثمّ انّ الله فتحها ؛ وذلك انّ النّبىّ (ص) اعطى اللّواء عمر بن الخطّاب ونهض من نهض معه من النّاس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا الى رسول الله (ص) يجبّنّه أصحابه ويجبّنّهم ، فقال رسول الله (ص) بعد ما اخبروه بما فعل عمر وأصحابه ، لاعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرّارا غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه ، فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله (ص) كلّهم يرجون ان يعطيها ، فقال (ص) : اين علىّ بن ابى طالب (ع)؟ ـ فقالوا : هو تشتكي عينه ، فأرسل اليه فأتى به فبصق في عينيه ودعا له فبرئ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرّاية ، فقال (ص) : أنفذ على رسلك (١) حتّى تنزل بساحتهم ثمّ أدعهم الى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فو الله لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من ان يكون لك حمر النّعم ، فذهب الى خيبر فبرز اليه مرحب فضربه ففلق رأسه فقتله وكان الفتح على يده ، هكذا أورده مسلم في الصّحيح ، ونقل عن العامّة : انّ عليّا (ع) لمّا دنا من الحصن خرج اليه اهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده فتناول علىّ (ع) باب الحصن فتترّس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتّى فتح الله عليه ثمّ ألقاه من يده ، فلقد رأيتنى في نفر معى
__________________
(١) اى ، امش مستقيما ولا تتوقّف في مكان ولا ترجع وراك.