ولد عليّ بن عيسى وأهل بيته ، ودفع إلى كلّ رجل رقعة باسم من وكّله بحفظه إذا دخل مرو.
ثم وجّه إلى عليّ : إن أحبّ الأمير أن يوجّه ثقاته لقبض ما معي فعل ، فإنّه إذا تقدّمت الأموال أمام دخولي كان أقوى للأمير وأفتّ في عضد أعدائه. فوجّه عليّ جماعة لقبض الأموال ؛ فقال هرثمة : اشغلوهم الليلة. ففعلوا.
ثم سار إلى مرو ، فلمّا صار منها على ميلين تلقّاه عليّ بن عيسى وولده وقوّاده ؛ فلما وقعت عين هرثمة عليه ثنى رجله لينزل ، فصاح عليّ : والله لئن نزلت لأنزلنّ. فثبت ودنا (١) ، فاعتنقا ، ثم سارا إلى قنطرة لا يجوزها إلّا فارس. فحبس هرثمة لجام الفرس وقال لعليّ : سر ، فقال : لا والله. فقال هرثمة : لا والله ، أنت أميرنا. ثم نزل بمنزل عليّ ، وأكلا من السّماط. ثم دفع الخادم كتاب الرشيد إلى عليّ ، فلما رأى أوّل حرف منه سقط من يده. ثم أمر هرثمة بتقييده وتقييد ولده وعمّاله. ثم صار إلى الجامع فخطب وبسط من آمال الناس ، وأخبر أنّ الرشيد ولّاه ثغورهم بما بلغه من سوء سيرة الفاسق عليّ بن عيسى ، وإنّي منصفكم منه.
فأظهروا السرور وضجّوا بالدعاء. ثم انصرف ودعا بعليّ وآله فقال : اعفوني من الإقدام بالمكروه عليكم. ونودي ببراءة الذّمّة من رجل عنده لعلّي وديعة فأخفاها. فأحضر الناس شيئا كثيرا إلّا رجل واحد. واستصفى هرثمة حتى حليّ النساء والثياب ، وبالغ في ذلك. ثم بعد ذلك أقامهم لمظالم الناس وشدّد عليهم. ثم حمل عليّا إلى الرشيد (٢).
* * *
توجّه الرشيد لحرب رافع
وفيها توجّه الرشيد نحو خراسان لحرب رافع. فذكر محمد بن الصّباح
__________________
(١) في الأصل «ثبت ودعا ودنا».
(٢) الخبر مطوّلا في : تاريخ الطبري ٨ / ٣٢٨ ـ ٣٣٧ (حوادث ١٩١ ه.) ، وهو باختصار في : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٢٥ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، والكامل في التاريخ ٦ / ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، والبداية والنهاية ١٠ / ٢٠٦ ، والمعارف ٣٨٢ ، وسنيّ ملوك الأرض والأنبياء ١٦٦.