وكان الشّافعيّ من أسمح النّاس. كان يشتري الجارية الصّنّاع الّتي تطبخ وتعمل الحلوى ، ويشترط عليها هو أن لا يقربها ، لأنّه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النّساء لباسور به إذ ذاك. فكان يقول لنا : اشتهوا ما أردتم (١).
قلت : هذا أصابه بآخرة ، وإلّا فقد تزوّج وجاءته الأولاد.
وقال أبو عليّ بن حمكان في «كتاب فضائل الشّافعيّ» : ثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزنيّ ، ثنا ابن خزيمة ، ثنا الربيع قال : أصحاب مالك يفخرون فيقولون : كان يحضر مجلس مالك نحو من ستّين معمّما. والله لقد عددت في مجلس الشّافعيّ ثلاثمائة معمّم سوى من شذّ عنّي (٢).
وقال الحسن بن سفيان : ثنا أبو ثور : سمعت الشّافعيّ ، وكان من معادن الفقه ، ونقّاد المعاني ، وجهابذة الألفاظ يقول : حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ : لأنّ المعاني مبسوطة إلى غير غاية ، وأسماء المعاني معدودة محدودة ، وجميع أصناف الدّلالات على المعاني ، لفظا وغير لفظ ، خمسة أشياء أوّلها اللّفظ ، ثمّ الإشارة ، ثمّ العقد ، ثمّ الخطّ ، ثم الّذي يسمّي النّصبة ، والنّصبة في الحال الدّلالة الّتي تقوم مقام تلك الأصناف ، ولا تقصير على تلك الدّلالات ، ولكلّ واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها ، وحلية مخالفة لحلية أختها ، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة ، وعن خفائها عن التّفسير ، وعن أجناسها وأفرادها ، وعن خاصها وعامّها ، وعن طباعها في السّارّ ، والضّارّ ، وعمّا يكون بهوا بهرجا وساقطا مدحرجا (٣).
وقال الربيع : كنت أنا والمزنيّ والبويطيّ عند الشّافعيّ ، فقال لي : أنت نموت في الحديث. وقال للمزنيّ : هذا لو ناظره الشّيطان قطعه وجدله (٤).
وقال للبويطيّ : أنت تموت في الحديد.
__________________
(١) حلية الأولياء ٩ / ١٣٣ ، مناقب الشّافعيّ للبيهقي ٢ / ٢٢٢ ، تاريخ دمشق ١٥ / ١٥ أ ، توالي التأسيس ٦٨.
(٢) تاريخ دمشق ١٥ / ١٥ ب.
(٣) تاريخ دمشق ١٤ / ٤١٦ ب.
(٤) حلية الأولياء ٩ / ١٣٩.