فناله بعقب هذا صرع. فكان يصرع في اليوم مرّات حتّى مات ، ولم يبلغ رمضانا آخر (١).
وقال محمد بن عبّاد المهلّبيّ : كان المأمون قد أهّل أخاه أبا عيسى للخلافة بعده.
وكان يقول : ما أجزع من قرب المنيّة حقّ الجزع لبلوغ أبي عيسى ما لعلّه يشتهيه.
وكان أبو عيسى ممّن لم ير قط أجمل منه ، فمات. فدخلت للتعزية ، فنبذت عمامتي وجعلتها ورائي ، لأنّ الخلفاء لا تعزّى في العمائم ، فقال المأمون : يا محمد حال القدر دون الوطر (٢) ، وألوت المنيّة بالأمنية.
وكان المأمون يعرّفني ما له عنده وعزّمه فيه ، فقلت :
يا أمير المؤمنين كلّ مصيبة أخطأتك تهون ، فجعل الله الحزن لك لا عليك (٣).
قال صاحب «الأغاني» أبو الفرج (٤) : حدّثني ابن أبي سعد الورّاق : حدّثني محمد بن عبد الله بن طاهر : حدّثني أبي قال : قال أحمد بن أبي داود : دخلت على المأمون في أول صحبتي إيّاه ، وقد توفّي أخوه أبو عيسى ، وكان له محبّا ، وهو يبكي ويتمثّل :
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض |
|
فحسبك منّي ما تحنّ الجوانح |
كأن لم يمت حيّ سواك ولم تقم (٥) |
|
على أحد إلا عليك النّوائح |
وقالت عريب :
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر |
|
وليس لعين لم يفض ماؤها عذر |
__________________
(١) الأغاني ١٠ / ١٨٨.
(٢) حتى هنا في الأغاني ١٠ / ١٩٠.
(٣) الأغاني ١٠ / ١٩٠.
(٤) في الأغاني ١٠ / ١٩١.
(٥) في الأغاني : «ولم تنح».