عصر الفضاء ، وأفضل شاهد حي على ذلك الشعور المزعج هو ظهور بعض المدارس ـ إن أمكن تسميتها كذلك ـ الفلسفية الحديثة كالمدرسة المادية.
ويعترف العلماء والمفكرون الذين يمتكلون رؤية صحيحة تجاه البلدان الصناعية التي رأوها أنّ شعوب تلك البلدان قد تغلبوا على مشاكل البطالة والأمراض والكهولة والعجز والتعليم من خلال المعامل والمصانع الضخمة والإمكانات الصحيحة الهائلة والأجهزة الثقافية إلى جانب الضمان والتقاعد وما إلى ذلك ، فالواقع هو أنّ حياتهم وحياة أولادهم مضمونة منذ الولادة حتى اللحظات الأخيرة للموت ، مع ذلك فهم يألمون من عبثية الحياة ويرون أنفسهم يعيشون الخفة والطيش.
ولعل سر التنوع الذي ينشده عالم الغرب ومبادراتهم العجيبة هو الهروب من التفكير بشأن هذا الطيش والعبثية.
وقد نلمس هذه الحقيقة في تعبيرها الفلسفي ضمن المدرسة المادية التي تقول : ينفرد الإنسان من بين سائر الكائنات بإدراكه لمفهوم الوجود والعلم بوجوده ، وكما كان الوجود أمراً بديهياً للإنسان فإنّ العدم يسود ذهن الإنسان مقروناً بتصوره للوجود ، ففي الوقت الذي نشعر فيه بوجودنا أو وجود شيء آخر ، كذلك من الواضح لدينا عدمنا أو عدم الشيء الآخر ، وعلى هذا الأساس فالإنسان يشعر بوضوح بعدمه كما يشعر بوجوده ، وما إضطراب الإنسان وقلقه إلّانتيجة لهذا الشعور بالوجود والعدم ، وعلى حد تعبير «سارتر» ـ العالم الوجودي ـ من هنا يتضح عبث الوجود وخوائه : لماذا جئنا للوجود ، وما سبب وجودنا؟ (ليس لدينا من إجابة على ذلك) ...
فحين لايرى الإنسان من سبب لوجوده يشعر بغربته في هذه الدنيا ، إنّه يشعر بانفصاله عن سائر الأشياء والأفراد ، والخلاصة فإنّ وجوده زائد لايرى