____________________________________
عليه أكثر العلماء خلافا لجماعة من الصوفية ، وطائفة من المتكلمين حيث منعوا السهو والنسيان والغفلة ، وأما قوله صلىاللهعليهوسلم «إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» (١) ، فقال الرازي في التفسير الكبير : اعلم أن الغين يغشى القلب فيغطيه بعض التغطية وهو كالغيم الرقيق الذي يعرض في الهواء ، فلا يحجب عين الشمس ، ولكن يمنع كمال ضوئها ، ثم ذكروا لهذا الحديث تأويلات.
أولها : أن الله تعالى أطلع نبيّه صلىاللهعليهوسلم على ما يكون في أمته من بعده من الخلاف وما يصيبهم ، فكان إذا ذكر ذلك وجد غنيا في قلبه فاستغفر لأمته ، قلت : وفيه بعد ظاهر في الإفهام من جهة دوام تذكّر ذلك المقام مع أنه عليه الصلاة والسلام كان في مرتبة عالية من المرام.
ثانيها : أنه عليه الصلاة والسلام كان ينتقل من حالة إلى أخرى أرفع من الأولى فكان الاستغفار لذلك يعني لتوقفه وظنه أنه الحالة الأعلى ، وهذا المعنى هو الأولى لمطابقة قوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٢).
وثالثها : أن الغين عبارة عن السكر (٣) الذي كان يلحقه في طريق المحبة حتى يصير فانيا على نفسه بالكليّة ، فإذا عاد إلى الصحو كان الاستغفار من ذلك الصحو ، وهو تأويل أرباب الحقيقة قلت : ويؤيده حديث «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب أي جبرائيل المقدس ، أو نبي مرسل» (٤) أي نفسه الأنفس ، إلا أنه قد يقال الاستغفار ليس من الصحو ، بل من المحو لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام : «وإنه ليغان على قلبي حتى يمنعني عن شهود ربي في مقام جمع الجمع الذي لا يحجب الكثرة عن الوحدة ولا يمنع
__________________
ـ الله خلقا يذنبون ، فيغفر لهم» ، وهو في صحيح مسلم ٢٧٤٨ ، والترمذي ٣٥٣٩ ، وتاريخ بغداد ٤ / ٢١٧.
(١) أخرجه مسلم ٢٧٠٢ ح ٤١ ، وأحمد ٤ / ٢٦٠ ، وأبو داود ١٥١٥ ، وابن حبان ٩٣١ ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ٤٤٢ ، والبغوي ١٢٨٧ ، والطبراني ٨٨٨ و ٨٨٩ من حديث الأغرّ المزني.
(٢) الضحى : ٤.
(٣) هذا الكلام لا يجوز في حق النبي صلىاللهعليهوسلم فلا يجوز أن يوصف بالسكر لأنه صلىاللهعليهوسلم كان دائما في حالة الوعي التام والتفكير في دعوة الناس إلى الإسلام لإخراجهم من الظلمات إلى النور وهذا الكلام الذي قاله الرازي هو من سفسطات الصوفية وشطحاتهم ولا يؤيده دليل من الكتاب والسّنّة.
(٤) لم أجده وأمارة الوضع ظاهرة عليه يشبه أحاديث القصاص.