____________________________________
وهو بظاهره يخالف تقسيم القرآن ، وأما ما ذكره القونوي رحمهالله تعالى من أن الشيخ الإمام علي بن سعيد الرستغني رضي الله تعالى عنه سئل أن الميزان يكون للكفّار ، فقال : لا فمردود ، بقوله تعالى : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) (١). والمؤمن لا يخلد في النار ، وأما ما سئل عنه مرة أخرى فقال ؛ قد روي أن لهم ميزانا إلا أنه ليس المراد من ميزانهم ترجيح إحدى الكفّتين على الأخرى ، لكن المعنى به تمييزهم إذ الكفار متفاوتون في العذاب ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (٢). وقال الله عزوجل : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٣) ففيه أن الرواية المذكورة لا أصل لها والميزان ما وضع لتمييز المراتب في الكفر والإيمان ، وإلا فكما أن المشركين والكفّار لهم دركات كذلك للمسلمين الأبرار درجات.
فالصواب أن آية الميزان والكتاب وأكثر ما وقع في القرآن المجيد من الوعد والوعيد فهو مختص بالكفّار والأبرار ، وما ذكر فيه حال العصاة والفجّار ليكونوا بين الخوف والرجاء في تلك الدار بين المقام في دار القرار ، وفي دار البوار ، نعم قد ورد أن من استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف فيتأخر دخوله في الجنة عن أهل المعرفة والإنصاف والمجاهدين في المصاف والقائمين بأنواع الطاعة من الصلاة والطواف والاعتكاف ، وأما قوله تعالى : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (٤) أي مقدارا ولا اعتبارا عند الله ، ثم ذكر الموازين بلفظ الجمع ، والحال أن الميزان واحد نظرا إلى كثرة الخلق على سبيل المقابلة الجمع بالجمع أو لأجل كبر ذلك الميزان عبر عنه بلفظ الجمع في ميدان البيان ، أو جمع موزون ، ولا شك في جمعه ، وأما قول القونوي : أن الموزون هو العمل الذي له وزن وخطر عنده سبحانه فليس على إطلاقه ، بل الموزون أعمّ من الطاعة والمعصية حتى يظهر الثقل والخفّة بحسب ما تعلقت به الإرادة والمشيئة ويتوقف فيه على بيان كيفيته سواء يقال : بوزن صحائف الأعمال أو بتجسيم الأقوال والأفعال ، والحكمة فيه ظهور حال الأولياء من الأعداء فيكون للأوّلين أعظم السرور وللآخرين أعظم الشرور وفي الحقيقة إظهار الفضل والعدل في يوم الفصل.
__________________
(١) الأعراف : ٩.
(٢) النساء : ١٤٥.
(٣) غافر : ٤٦.
(٤) الكهف : ١٠٥.