____________________________________
وقال الإمام الأعظم رحمهالله في كتابه الوصية : والميزان حق بقوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) الآية. وقراءة الكتاب حق بقوله تعالى : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٢). انتهى ، وفي هذا الاستدلال إيماء إلى أن الحكمة في وضع الميزان للعباد حال المعاد ، إنما هو معرفة بيان مقادير أعمالهم ليتبيّن لهم الثواب والعقاب بحسب اختلاف أعمالهم ، وفيه إشعار بأن إعطاء كتاب الأعمال في أيدي العمال حق أيضا لقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) (٣). أي سهلا لا يناقش فيه ، وهو أن يجازى على الحسنات ويتجاوز عن السيئات : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (٤) أي مما في الجنة من الحور العين والآدميات أو إلى عشيرته المؤمنين أو إلى فريق المؤمنين : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) (٥). أي بشماله من وراء ظهره. (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) (٦). أي هلاكا يقول يا ثبوراه : (وَيَصْلى سَعِيراً) أي يدخل النار (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ) أي في الدنيا (مَسْرُوراً) أي باتّباع هواه وبدنياه في الكفر بطرا بالمال والجاه فارغا عن الآخرة. فبيّن الإمام الأعظم رحمهالله أن الحساب وإعطاء الكتاب متقاربان فكان حكمهما واحدا حيث لا ينفكّان فلم يذكره الإمام على حدة لابتغاء الاكتفاء ، والظاهر أن إعطاء الكتاب قبل ميزان الحساب لقوله تعالى : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) فتفسيره ورد في السّنّة أن من نوقش في الحساب يوم القيامة عذب (٧).
وقد أنكر المعتزلة الميزان والحساب والكتاب بعقولهم الناقصة مع وجود الأدلة
__________________
(١) الأنبياء : ٤٧.
(٢) الإسراء : ١٤.
(٣) الانشقاق : ٨.
(٤) الانشقاق : ٩.
(٥) الانشقاق : ١٠.
(٦) الانشقاق : ١١.
(٧) أخرجه البخاري ١٠٣ و ٤٩٣٩ و ٦٥٣٧ ، ومسلم ٢٨٧٦ ح ٧٩ و ٨٠ ، وأبو داود ٣٠٩٣ ، والترمذي ٣٣٣٧ ، وأحمد ٦ / ٤٧ و ١٢٧ و ٢٠٦ ، وابن حبان ٧٣٦٩ ، والطبري ٣٠ / ١١٦ ، والبغوي ٤٣١٩ كلهم من حديث عائشة. وذكره السيوطي في الدرّ المنثور ٨ / ٤٥٦ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه. ولفظه : «من حوسب عذّب. قالت : فقلت : يا رسول الله (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) ، قال : ذاك العرض ، ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك».