والقصاص فيما بين الخصوم بالحسنات يوم القيامة حق وإن لم تكن لهم الحسنات فطرح السيئات عليهم حق جائز ....
____________________________________
القاطعة في كلّ من هذه الأبواب ، وأما ما وقع في العمدة من أن كتاب الكافر يعطى بشماله أو من وراء ظهره فيوهم أنه شكّ ومتردّد في أمره ، وليس كذلك بل ذكره بأو لاختلاف ما جاء في الآيتين ، وهو إما محمول على الجمع بينهما كما أشرنا إليها ، وإما للتنويع فبعضهم يعطى بشماله وهو القريب من الإسلام ، وبعضهم يعطى من وراء ظهره وهو المدبّر بالكليّة عن قبول الأحكام ، وهي كتب كتبها الحفظة أيام حياتهم إلى حين مماتهم كما قال الله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) (١). أي ما يخفونه من الغير وما يتكلمون به فيما بينهم (بلى) أي نسمعهما (ورسلنا) أي الحفظة (لديهم يكتبون) أي جميع أفعالهم وأحوالهم وفيه ردّ على من زعم أن الملائكة ليس لهم اطّلاع على بواطن الخلق (والقصاص) أي المعاقبة بالمماثلة (فيما بين الخصوم) أي من نوع الإنسان والعباد (بالحسنات يوم القيامة) أي بالحسنات كما في نسخة حق أي ثابت يعني بأخذ حسنات الظالم وإعطائها للخصوم في مقابلة المظالم ، إذ ليس هناك الدنانير والدراهم (حق وإن لم تكن لهم) أي للظّلمة (الحسنات) أي بأن لم يوجد لهم الطاعات ، أو فنيت لكثرة السيئات (طرح) وفي نسخ فطرح (السيئات) أي وضع سيئات المظلومين (عليهم) أي على رقبة الظالمين (جائز وحق) ، وفي نسخة حق جائز وكلاهما للتأكيد ، ومعناهما ثابت وجائز عقلا ووارد نقلا ، فيجب الاعتماد على هذا الاعتقاد لما ورد من أنه عليه الصلاة والسلام قال : «من كانت له مظلمة لأخيه فليتحلّله منذ اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» (٢). وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه الكرام : «أتدرون من المفلس؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ، ولا متاع ، فقال عليه الصلاة والسلام : إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة ، وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار» (٣). ثم هذا في حق
__________________
(١) الزخرف : ٨٠.
(٢) أخرجه البخاري ٢٤٤٩ و ٦٥٣٤ ، والترمذي ٢٤١٩ ، والطيالسي ٢٣٢٧ ، والطحاوي في مشكل الآثار ١ / ٧٠ ، وأحمد ٢ / ٤٣٥ و ٥٠٦ من حديث أبي هريرة.
(٣) أخرجه مسلم ٢٥٨١ ، والترمذي ٢٤١٨ ، وأحمد ٢ / ٣٠٣ و ٣٣٤ و ٣٧٢ كلهم من حديث أبي هريرة.