____________________________________
إلى جهة يتوقع منها حصول مقصوده كالسلطان إذا وعد العسكر بالأرزاق فإنهم يميلون إلى التوجّه نحو جنوب الخزينة ، وإن تيقنوا أن السلطان ليس فيها.
ثم جدّه عليه الصلاة والسلام إبراهيم أفضل بعده ، ففي الصحيح خير البريّة إبراهيم (١) عليهالسلام فخصّ منه نبيّنا صلىاللهعليهوسلم بقوله على ما رواه الترمذي أن إبراهيم خليل الله ألا وأنا حبيب الله (٢) فبقي الباقي على عمومه.
واعلم أن الخلّة كمال المحبة وأنكر الجهمية حقيقة المحبة من الجانبين زعما منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحبّ والمحبوب ، وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدث توجب المحبة ، وكان أول من ابتدع هذا في الإسلام هو الجعد بن درهم (٣) في أوائل المائة الثانية ، فضحّى به خالد بن عبد الله القسري (٤) أمير العراق والمشرق
__________________
(١) أخرجه مسلم ٢٣٦٩ ، وأبو داود ٤٦٧٢ ، وأحمد ٣ / ١٨٣ كلهم من حديث أنس ولفظه : «جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يا خير البرية فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ذاك إبراهيم عليهالسلام». وفي رواية لأحمد : «ذاك إبراهيم أبي».
(٢) أخرجه الترمذي ٣٦١٦ من حديث ابن عباس ولفظه : «جلس ناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينتظرونه قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال : بعضهم : عجبا أن الله اتخذ من خلقه خليلا اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : ما ذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما ، وقال : فعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر : آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم فسلم وقال : قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرّك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأوّلين والآخرين ولا فخر. قال الترمذي هذا حديث غريب.
(٣) الجعد بن درهم ، عداده في التابعين ، مبتدع ضالّ ، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر ، والقصة مشهورة ، وكان من أهل الشام ، وهو مؤدّب مروان الحمار ، ولهذا يقال له : مروان الجعدي ، فنسب إليه ، وهو شيخ صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون : إن الله تعالى في كل مكان بذاته تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا. «ميزان الاعتدال» ١ / ٣٩٩ ، والبداية والنهاية : ١٠ / ١٩.
(٤) هو الأمير الكبير ، أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي أمير العراقيين لهشام ، المتوفى سنة ١٢٦ ه. قال الذهبي : كان جوادا ممدحا معظّما ، عالي الرتبة من نبلاء الرجال ، لكن فيه نصب ، وقال ابن معين : رجل سوء يقع في علي. مترجم في سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٢٥ ـ ٤٣٢.