وما يصح الاعتقاد عليه
____________________________________
وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري ، وإما دعوته إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه ، فهو التوحيد الإرادي الطلبي ، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكمّلاته ، وإما خبر عن إكرامه لأهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في العقبى فهو جزاء توحيده ، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النّكال وما يحلّ بهم في العقبى من العذاب والسلاسل والأغلال ، فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوق أهله وثنائهم وفي شأن ذمّ الشرك وعقوق أهله وجزائهم ، فالحمد لله ربّ العالمين توحيد الرحمن الرحيم ، توحيد مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين توحيد اهدنا الصراط المستقيم ، توحيد متضمّن لسؤال الهداية إلى طريق التوحيد صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين الذين فارقوا التوحيد عنادا وجهلا وإفسادا ، وكذا السّنّة تأتي مبينة ومقررة لما دلّ عليه القرآن فلم يحوجنا ربنا سبحانه وتعالى إلى رأي فلان وذوق فلان ووجد فلان في أصول ديننا ، ولذا نجد من خالف الكتاب والسّنّة مختلفين مضطربين بل قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١). فلا نحتاج في تكميله إلى أمر خارج عن الكتاب والسّنّة ، كما قال الله تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) (٢). وقال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) (٣). وقال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٤). وإلى هذا المعنى أشار الطحاوي بقوله في أول عقيدته لا ندخل في ذلك متأوّلين بآرائنا ولا متوهّمين بأهوائنا فإنه ما سلم في دينه إلا من سلّمه الله عزوجل. (وما يصح الاعتقاد عليه). أي وما يصح اعتماد الاعتقاد عليه في هذا الباب ، وهذا معنى قوله : الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها ، وقد أعرض الإمام عن بحث الوجود اكتفاء بما هو ظاهر في مقام الشهود ففي التنزيل : (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٥). فوجود الحق ثابت في فطرة الخلق كما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى : (فِطْرَتَ
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) إبراهيم : ٥٢.
(٣) العنكبوت : ٥١.
(٤) الحشر : ٨.
(٥) إبراهيم : ١٠.