____________________________________
اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (١). ويومئ إليه حديث : «كل مولود يولد على فطرة الإسلام» (٢). وإنما جاء الأنبياء عليهمالسلام لبيان التوحيد وتبيان التفريد ولذا أطبقت كلمتهم وأجمعت حجتهم على كلمة لا إله إلا الله ولم يؤمروا بأن يأمروا أهل ملتهم بأن يقولوا الله موجود بل قصدوا إظهار أن غيره ليس بمعبود ردّا لما توهموا وتخيلوا حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى.
على أن التوحيد يفيد الوجود مع مزيد التأييد ثم العقائد يجب أن تؤخذ من الشرع الذي هو الأصل ، وإن كانت مما يستقل فيه العقل وإلا فعلم إثبات الصانع وعلمه وقدرته لا تتوقف من حيث ذاتها على الكتاب والسّنّة ، ولكنها تتوقف عليهما من حيث الاعتداد بها لأن هذه المباحث إذا لم يعتبر مطابقتها للكتاب والسّنّة كانت بمنزلة العلم الإلهي للفلاسفة فحينئذ لا عبرة بها على ما ذكره المحقّقون ، فمن الآيات الدالّة على وجوده وظهور فضله وقدرته وحكمته وجوده قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٣). فمن أدار نظره في عجائب هذه المذكورات من خلق الأرضين والسموات وبدائع فطرة الحيوانات والنباتات وسائر ما اشتملت عليه الآيات الآفاقية والأنفسية كقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٤).
وقد قال الله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٥).
__________________
(١) الروم : ٣٠.
(٢) أخرجه البخاري ١٣٥٨ و ١٣٥٩ ومسلم ٢٦٥٨ وأحمد ٢ / ٢٨٢ و ٤١٠ وابن حبان ١٢٨ والطحاوي ٢ / ١٦٢ كلهم من حديث أبي هريرة ونصه : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه».
(٣) البقرة : ١٦٤.
(٤) المؤمنون : ١٤.
(٥) فصّلت : ٥٣.