____________________________________
وفي كل شيء له شاهد |
|
يدل على أنه واحد |
ألجأه ذلك إلى الحكم بأن هذه الأمور العجيبة مع هذه التراتيب المحكمة الغريبة لا يستغني كلّ منها عن صانع أوجده من العدم ، وعن حكيم رتبه على قانون أودع فيه فنونا من الحكم ، وعلى هذا درج كل العقلاء إلا من لا عبرة بمكابرته كبعض الدهرية (١) من السفهاء ، وإنما كفر بعضهم بالاشتراك حيث دعوا مع الله إلها آخر كعبدة الأصنام وسائر الوثنيين من الأنام ، وبعضهم ينسب بعض الحوادث إلى غيره تعالى كالمجوس (٢) ينسبون الشرّ إلى ظلمة أهرمن ، وهو الشيطان ، والخير إلى نور الرحمن وكبعض الوثنيين من العوام ينسبون بعض الآثار إلى الأصنام كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) (٣) ، وكالصابئين (٤) وبعض المنجّمين حيث ينسبون بعض الآثار إلى الكواكب لما فيها من الأنوار سبحانه وتعالى عما يشركون.
وبعضهم بإنكار ما جعل الله سبحانه إنكاره كفرا كالبعث وإحياء الموتى في دار القرار ، وهذا المقدار كاف لأولي الأبصار ، ولذا أعرضنا عن المقدمات العقلية التي رتّبها النّظّار على سبيل الاستظهار ومجمله : أن العالم حادث بمعنى محدث وجد بعد العدم ، وهو محتاج إلى محدث موصوف بصفة القدم ، وذلك المحدث الموجد هو الله سبحانه
__________________
(١) هم القائلون بعدم وجود إله لهذا الكون ولا صانع وأن الخلائق وجميع المكوّنات كانت بلا مكوّن.
انظر تلبيس إبليس لابن الجوزي ، ص ٥٢.
(٢) المجوس هم عبدة النار والشمس ويزعمون أنها ملكة العالم وهي التي تأتي بالنهار وتذهب الليل وتحيي النبات والحيوان وتردّ الحرارات إلى أجسادها ، ويبيحون نكاح المكارم. وأثبتوا لأنفسهم إلهين وقالوا أحدهما نور حكيم لا يفعل إلا الخير والآخر شيطان هو ظلمة لا يفعل إلّا الشر. انظر الملل والنّحل ١ / ٢٣٣ وتلبيس إبليس ص ٨٧ ـ ٨٨.
(٣) هود : ٥٤.
(٤) الصابئون هم الخارجون من دين إلى دين. وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص ٨٦ : وللعلماء في مذاهبهم عشرة أقوال : أحدها أنهم قوم بني النصارى والمجوس ، والثاني أنهم بين اليهود والمجوس ، والثالث أنهم بين اليهود والنصارى ، والرابع أنهم صنف من النصارى ألين منهم قولا ، والخامس أنهم قوم من المشركين لا كتاب لهم ، والسادس أنهم كالمجوس ، والسابع أنهم فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور ، والثامن أنهم قوم يصلّون إلى القبلة ويعبدون الملائكة ويقرءون الزبور ، والتاسع أنهم طائفة من أهل الكتاب ، والعاشر أنهم كانوا يقولون لا إله إلّا الله وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلّا الله.