____________________________________
المثل بعد انعدام الشيء لا يكون من الزيادة في شيء كما في سواد الجسم مثلا انتهى.
وقد يجاب بأنه يلزم منه أن من هو أطول عمرا من الأنبياء والأولياء يكون إيمانه أزيد وأكمل من غيره ولا قائل به مع أن ابن الهمام نقل أن القول بعدم الزيادة والنقصان اختاره من الأشاعرة إمام الحرمين ، وجمع كثير ، وقيل المراد زيادة ثمرته وبهائه وإشراق نوره وضيائه في القلب وصفائه ، فإنه يزيد بالأعمال وينقص بالمعاصي ، وفيه نظر ، لأن كثيرا من الناس تكثر منه الأعمال ولا يحصل له مزيد الأحوال ، وقد توجد المعاصي مع كمال الإيمان وتحقّق الإيقان لبعض أرباب الكمال ، ولذا لمّا سئل الجنيد أيزني العارف قال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (١). وقال بعض المحقّقين : كالقاضي عضد الدين (٢) لا نسلّم أن حقيقة التصديق لا تقبل الزيادة والنقصان ، بل تتفاوت قوة وضعفا للقطع بأن تصديق آحاد الأمة ليس كتصديق النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٣). ونوقش بأن هذا مسلّم لكن لا طائل تحته إذ النزاع إنما هو في تفاوت الإيمان بحسب الكمية أي القلة والكثرة فإن الزيادة والنقصان كثيرا ما تستعمل في الأعداد وأما التفاوت في الكيفية أي القوة والضعف فخارج عن محل النزاع.
ولذا ذهب الإمام الرازي وكثير من المتكلمين إلى أن هذا الخلاف لفظي راجع إلى تفسير الإيمان ، فإن قلنا هو التصديق فلا يقبلهما لأن الواجب هو اليقين ، وأنه لا يقبل التفاوت ، وإن قلنا هو الأعمال أيضا فيقبلهما فهذا هو التحقيق الذي يجب أن يعوّل عليه ، نعم إذا قيل : الواجب في التصديق ما نعم اليقيني والاعتقاد الجازم المطابق ، وإن كان غير ثابت حيث يمكن أن يزول بالتشكيك فإن أيمان أكثر العوام من هذا القبيل فإنه حينئذ يقبل التفاوت في مراتب الإيمان دون مناقب الإيقان ، إلا باختلاف مرتبة علم اليقين فإنها دون مرتبة عين اليقين ، كما أشار إليه قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٤). فإن التصديق بحدوث العالم ليس كالتصديق بطلوع الشمس ، ولذا ورد في الخبر ليس الخبر كالمعاينة (٥) ، وأما قول عليّ كرّم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت
__________________
(١) الأحزاب : ٣٨.
(٢) هو عضد الدين الإيجي مرّت ترجمته.
(٣) الأحزاب : ٢٦٠.
(٤) البقرة : ٢٦٠.
(٥) تقدّم تخريجه فيما سبق.