____________________________________
رجل إن شاء الله تعالى ، وقال صاحب التعديل (١) : فإن لم يثبت الكفر فلا أقل من أن يكون التلفّظ به حراما أنه صريح في الشك في الحال ، وهو لا يستعمل في المحقّق في الحال حيث لا يقال : أنا شاب إن شاء الله تعالى ، وفيه أنه وجه الكفر والكذب ، فإن بعضهم ذهبوا إلى الوجوب ، وكثير من السلف حتى الصحابة والتابعين ذهبوا إلى الجواز وهو المحكي عن الشافعي رحمهالله وأتباعه ، وقالوا : إن من شهد لنفسه بهذه الشهادة ينبغي أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحالة ، وفيه أنه لا محظور في هذه المقالة فقد منعه الأكثرون ، وعليه أبو حنيفة رحمهالله وأصحابه مع أن هذا ليس من قبيل قول القائل : أنا طويل إن شاء الله تعالى ، بل نظير قولك : أنا زاهد أنا متّق أنا تائب إن شاء الله تعالى ، إما قاصدا هضم النفس والتواضع ، وهذا إنما يتصوّر في حق الأنبياء أو قاصدا جهله بحقيقة وجود شروطه ، وهذه الأشياء في الحال ، أو نظرا إلى مشيئة الله تعالى من احتمال تغيّر الحال في الاستقبال والعياذ بالله من سوء المآل ، ولذا لمّا سئل أبو يزيد البسطامي (٢) رحمهالله تعالى : هل لحيتك أفضل ، أم ذنب الكلب؟ فقال : إن متّ على الإسلام فلحيتي خير ، وإلا فذنبه أحسن فبهذا تبيّن أن من يقول : أنا مؤمن حقّا أو قيل له أنت من أهل الجنة حقّا لم يقدر أن يقول نعم ، فإنه من الأمر المبهم والله تعالى أعلم.
وأما القول بالتبرّك فمع أنه ظاهر في التشكيك والترديد فبعيد عن الطريق السديد ، وأما ما ذكره في شرح المقاصد أنه للتأدّب بإحالة الأمور إلى مشيئة الله ، وهذا ليس فيه معنى للشك أصلا ، وإنما هو كقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٣) الآية. وكقوله عليه الصلاة والسلام تعليما : «إذا دخل المقابر السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» (٤). فمع المناقضة بين كلاميه تلفيق بين الأقوال
__________________
(١) هو تعديل العلوم للعلّامة عبيد الله بن مسعود المعروف بصدر الشريعة البخاري الحنفي المتوفى سنة ٧٤٧ ه.
(٢) هو طيفور بن عيسى بن آدم بن عيسى بن سروشان أبو يزيد البسطامي الزاهد المشهور. توفي سنة ٢٦٤ ه. له من التصانيف معارج التحقيق في التصوّف ورسائل أخر.
(٣) الفتح : ٢٧.
(٤) أخرجه مسلم ٢٤٩ ، والموطأ مطوّلا ١ / ٢٨ ـ ٣٠ ، وأبو داود ٣٢٣٧ ، والنسائي ١ / ٩٣ ـ ٩٥ ، وابن ماجة ٤٣٠٦ ، وأحمد ٢ / ٣٧٥ ، وعبد الرزاق ٦٧١٩ ، والبيهقي ٤٠ / ٧٨ ، وابن خزيمة في صحيحه ٦ ، وابن حبان ٣١٧١ كلهم من حديث أبي هريرة.