____________________________________
المختلفة ، فإن الاستثناء في الآية لا يصحّ أن يكون من قبيل إحالة الأمور إلى المشيئة ، بل قيل : إنه للتبرّك بذكر اسمه سبحانه أو للمبالغة في باب الاستثناء في الأخبار حتى في متحقّق الوقوع على أنه قد يقال : التقدير لندخلنّ جميعكم إن شاء الله لتأخّر بعض المخاطبين من أهل الحديبية حيّا أو ميتا عن فتح مكة ، أو معنى إن شاء الله إذا شاء الله ، وهو تأويل لطيف يردّ ما فيه من إشكال ضعيف ، أو الاستثناء عائد إلى الأمن لا إلى الدخول ، أو تعليم للعباد ، وكذا الاستثناء في الحديث لا يصحّ أن يكون من باب إحالة الأمور إلى المشيئة ، فإن اللحوق بالأموات محقّق بلا شبهة بل هو محمول على تعليم الأمة لاحتمال تغيّرهم في المآل ، أو على أن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام بكم خصوص أهل البقيع مثلا في البلاد ، وقال حجة الإسلام الغزالي : الحاصل للعبد هو حقيقة التصديق الذي يخرج به عن الكفر ، لكن التصديق في نفسه قابل للشدّة والضعف ، وحصول التصديق الكامل المنجي المشار إليه بقوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (١). إنما هو في مشيئة الله سبحانه ، وحاصله أن التصديق المصحّح لإجراء أحكام الإيمان على العبد في الدنيا حاصل ، والمرء جازم به ، لكن التصديق الكامل المنوط به النجاة في العقبى أمر خفي له معارضات كثيرة خفيّة من الهوى والشيطان ، فعلى تقدير حصوله ، والجزم به لا يأمن المؤمن أن يشوبه شيء من منافاة النجاة من غير علمه بذل فيفوّض علمه إلى مشيئة الله سبحانه ، ولذا قيل : ينبغي للمؤمن أن يتعوّذ بهذا الدعاء صباحا ومساء : اللهمّ إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا ، وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم أنك أنت علّام الغيب (٢) ، قال ابن الهمام : ولا خلاف في أنه لا يقال إن شاء الله للشك في ثبوت الإيمان للحال ، وإلا لكان الإيمان منفيّا بل ثبوته في الحال مجزوم به غير أن بقاءه إلى الوفاة وهو المسمى بإيمان الموافاة غير معلوم ولما كان ذلك هو المعتبر في النجاة كان هو الملحوظ عند المتكلم في ربطه بالمشيئة ، وهو أمر مستقبل فالاستثناء فيه اتّباع لقوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي
__________________
(١) الأنفال : ٧٤.
(٢) أخرجه أحمد ٤ / ٤٠٣ ، والطبراني في الكبير ، والأوسط من حديث أبي علي رجل من بني كاهل عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، وأبو علي لم يوثّقه غير ابن حبان ، ولكن له شاهد من حديث حذيفة رضي الله عنه رواه أبو يعلى الموصلي من رواية ليث بن أبي سليم ، فهو حديث حسن به. انظر مجمع الزوائد ١٠ / ٢٢٣ و ٢٢٤ ، والترغيب والترهيب ١ / ٧٦ ، وصحيح الجامع للألباني رقم ٣٦٢٥.