____________________________________
الواحد ، وإن كان محتملا للصدق والكذب في ذاته لكن متى ما وقع عنده أنه صادق ولم يخطر بباله احتمال الكذب ، وكان في الحقيقة صادقا نزل منزلة العالم لأنه بنى اعتقاده على ما يصلح دليلا في الجملة ، وأما من لم تبلغه الدعوة ورآه مسلم ودعاه إلى الدين وأخبره أن رسولا لنا بلغ الدين عن الله تعالى ، ودعانا إليه ، وقد ظهرت المعجزات على يديه وتصدق هذا الإنسان في جميع ذلك فاعتقد الدين من غير تأمّل وتفكّر فيما هنالك ، فهذا هو المقلّد الذي فيه خلاف بيننا وبين الأشعري بخلاف من نشأ فيما بين المسلمين من أهل القرى والأمصار من ذوي النّهى والأبصار ، فلا يخلو إيمانهم عن الاستدلال والاستبصار ، وإن كان لا يهتدي إلى العبارة عن دليل بطريق النظّار فإنه محل الخلاف بيننا وبين المعتزلة.
والصحيح ما عليه عامّة أهل العلم فإن الإيمان هو التصديق مطلقا فمن أخبر بخبر فصدقه صحّ أن يقال : آمن به ، وآمن له ولأن الصحابة كانوا يقلون إيمان عوامّ الأمصار التي فتحوها من العجم تحت السيف ، أو لموافقة بعضهم بعضا وتجويز حملهم إياهم على الاستدلال لا سيما في بعض الأحوال ، وهذا الخلاف فيمن نشأ على شاهق الجبل ولم يتفكّر في العالم ، ولا في الصانع عزوجل أصلا ، فأما من نشأ في بلاد المسلمين وسبّح الله تعالى عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حدّ التقليد ، فقد قيل لأعرابي : بم عرفت الله؟ فقال : البعرة تدلّ على البعير ، وآثار الأقدام تدلّ على المسير ، فهذا الإيوان العلوي ، والمركز السفلي ألا يدلّان على الصانع الخبير أما إذا اعتقد وجعل ذلك قلادة في عنق الداعي له إليه على معنى أنه كان حقّا فحقّ وإن كان باطلا فوباله عليه فهذا المقلد ليس بمؤمن بلا خلاف ، لأنه شاكّ في إيمانه ، وقيل : معرف مسائل الاعتقاد كحدوث العالم ووجود الباري ، وما يجب له وما يمتنع عليه من أدلتها فرض عين على كل مكلف فيجب النظر ، ولا يجوز التقليد ، وهذا هو الذي رجحه الإمام الرازي والآمدي ، والمراد النظر بدليل إجمالي ، وأما النظر بدليل تفصيلي يتمكّن معه من إزالة الشبه وإلزام المنكرين وإرشاد المسترشدين ففرض كفاية وأما من يخشى عليه من الخوض فيه الوقوع في الشبه فالأوجه أن المنع متوجّه في حقه فقد قال البيهقي : إنما نهى الشافعي رحمهالله وغيره عن علم الكلام لإشفاقهم على الضّعفة أن لا يبلغوا ما يريدون منه فيضلّوا عنه.
وفي التاتارخانية كره جماعة الاشتغال بعلم الكلام وتأويله عندنا أنه كره مع المناظرة والمجادلة لأنه يؤدي إلى إثارة الفتنة والبدعة وتشويش العقائد الثابتة ، أو يكون المناظر