____________________________________
وعثمان وغيرهم ، ثم اختلف هؤلاء هل يستتاب أم لا وهل يكفر بالسحر أم يقتل لسعيه في الأرض بالفساد ، وقالت طائفة إن قتل بالسحر وإلا عوقب بدون القتل إذا لم يكن في قوله وعمله كفر ، وهذا هو المنقول عن الشافعي وهو قول في مذهب أحمد ، وقد تنازع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه والأكثرون يقولون : أنه قد يؤثر في موت المسحور ومرضه من غير وصول شيء ظاهر إليه ، وزعم بعضهم أنه مجرد تخييل ، واتفقوا كلهم على أن ما كان من جنس دعوى الكواكب السبعة أو غيرها أو خطابها أو السجود لها والتقرّب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتيم والبخور ونحو ذلك فإنه كفر ، وهو من أعظم أبواب الشرّ واتفقوا كلهم أيضا على أن كل رقية وتعزيم أو قسم فيه شرك بالله فإنه لا يجوز التكلم به ، وكذا الكلام الذي لا يعرف معناه لا يتكلم به لإمكان أن يكون فيه شرك لا يعرف ، ولذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا بأس بالرقي ما لم تكن شركا» (١). ولا تجوز الاستعانة (٢) بالجن فقد ذمّ الله الكافرين على ذلك فقال الله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٣). قالوا : كان الإنسي في الجاهلية إذا نزل بالوادي في سفره يقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في أمن وجوار حتى يصبح ، فزادوهم يعني الإنس للجنّ باستعاذتهم بهم رهقا أي إثما وطغيانا وجرأة وشرّا وتكبّرا وإرهابا ، وذلك أنهم قد قالوا : سدنا الجن والإنس ، فالجن تتعاظم في أنفسها وتزداد كفرا إذا عاملتهم الإنس بهذه المعاملة ، وقال الله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) (٤) الآية. فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره وأخباره بشيء من المغيبات ، ونحو ذلك واستمتاع الجن بالإنسي تعظيمه إيّاه واستعانته به ، واستغاثته به وخضوعه له.
ونوع منهم [يتكلم] (٥) بالأحوال الشيطانية والكشوف بالرياضيات النفسانية ومخاطبة رجال الغيب وأن لهم خوارق تقتضي أنهم أولياء الله ، وكان من هؤلاء من يعين
__________________
(١) أخرجه مسلم ٢٢٠٠ ، وأبو داود ٣٨٨٦ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٧ / ٥٦ ، والطبراني ١٨ / ٨٨ كلهم من حديث عوف بن مالك الأشجعي.
(٢) في بعض نسخ الطحاوية : الاستعاذة.
(٣) الجن : ٦.
(٤) الأنعام : ١٢٨.
(٥) سقطت من الأصل ، وأثبتناها بين قوسين من شرح الطحاوية.