____________________________________
تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (١) الآية. فلما ذكر ذلك لعمر بن الخطاب اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة رضي الله عنهم على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا ، وإن أصرّوا على استحلالها قتلوا ، وقال عمر رضي الله عنه لقدامة : أخطأت استك الحفرة أما أنك لو اتّقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب أن الله سبحانه لما حرّم الخمر وكان تحريمها بعد وقعة أحد ، قال بعض الصحابة رضي الله عنهم : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر قبل التحريم ، وكيف ببعضنا الذين قتلوا يوم أحد شهداء والخمر في بطونهم؟ فأنزل الله هذه الآية (٢) المذكورة ، وبيّن فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يحرم فيها فلا جناح عليه إذا كان هو من المؤمنين المتّقين المصلحين ، ثم إن أولئك الذين فعلوا ذلك ندموا وعلموا أنهم أخطئوا وأيسوا من التوبة ، فكتب عمر رضي الله عنه إلى قدامة يقول له : (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) (٣) ما أدري أيّ ذنبيك أعظم استحلالك المحرّم أولا ، أم يأسك من رحمة الله ثانيا؟ وهذا الذي اتفق عليه الصحابة الكرام ، وهو متّفق عليه بين أئمة الإسلام.
__________________
ـ قدامة بن مظعون على البحرين ... ورجاله ثقات.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ٩ / ٥٤٦ من طريق ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : شرب قوم من أهل الشام الخمر ، وعليهم يزيد بن سفيان ، وقالوا : هي لنا حلال وتأوّلوا هذه الآية : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) وفيه أن عمر كتب إلى يزيد أن ابعث بهم إليّ ، واستشار الناس في أمرهم ، فأشار عليّ أن يستتيبهم ، فإن تابوا جلدهم ثمانين لشرب الخمر ، وإن لم يتوبوا ضرب رقابهم ، لكونهم كذبوا على الله ، وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله ، فاستتابهم فتابوا ، فضربهم ثمانين ثمانين. ورواه ابن حزم في المحلى ١١ / ٢٨٧ بنحوه من طريق الحجاج في منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن جحادة بن دثار : أن ناسا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم شربوا الخمر بالشام ... وانظر فتح الباري ١٢ / ٧٠ ، والمغني ٨ / ٣٠٤ لابن قدامة.
(١) المائدة : ٩٣.
(٢) أخرجه من حديث البراء بن عازب الترمذي ٣٠٥٠ و ٣٠٥١ ، والطيالسي ٧١٥ ، والطبري ١٣٧٣ و ١٧٤٠ ، وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي ٣٠٥٢ ، وأحمد ١ / ٢٣٤ و ٢٧٢. وقال الترمذي : حسن صحيح وصححه الحاكم ٤ / ١٤٣ وأقرّه الذهبي.
وعن أنس بن مالك عند البخاري ٢٤٦٤ و ٤٦١٧ و ٤٦٢٠ و ٥٥٨٠ ، وأحمد ٣ / ٢٢٧ ، والدارمي ٢ / ١١١.
(٣) غافر : ١ ـ ٣.