____________________________________
وروي عن إبراهيم بن أدهم أنهم رأوه بالبصرة يوم التروية ورؤي في ذلك اليوم بمكة ، فقال ابن مقاتل : من اعتقد جوازه كفر ، لأنه من المعجزات لا من الكرامات (١) ، أما أنا فأستجهله ولا أكفّره.
أقول : ينبغي أن لا يكفّر ولا يستجهل لأنه من الكرامات لا من المعجزات إذ المعجزة لا بدّ فيها من التحدّي ولا تحدّي هنا فلا معجزة ، وعند أهل السّنّة والجماعة : تجوز الكرامة كذا في الفصولين ، وأقول التحدّي فرع دعوى النبوّة ودعوى النبوّة بعد نبيّنا صلىاللهعليهوسلم كفر بالإجماع ، فظهور خارق العادات من الاتّباع كرامة من غير نزاع.
ثم اعلم أنه إذا تكلم بكلمة الكفر عالما بمعناها ولا يعتقد معناها لكن صدرت عنه من غير إكراه ، بل مع طواعية في تأديته فإنه يحكم عليه بالكفر بناء على القول المختار عند بعضهم من أن الإيمان هو مجموع التصديق والإقرار فبإجرائها يتبدّل الإقرار بالإنكار ، أما إذا تكلم بكلمة ولم يدر أنها كلمة كفر ففي فتاوى قاضي خان حكاية خلاف من غير ترجيح حيث قال : قيل : لا يكفر لعذره بالجهل ، وقيل : يكفر ، ولا يعذر بالجهل ، أقول : والأظهر الأول إلا إذا كان من قبيل ما يعلم من الدين بالضرورة فإنه حينئذ يكفر ، ولا يعذر بالجهل.
ثم اعلم أن المرتد يعرض عليه الإسلام على سبيل الندب دون الوجوب لأن الدعوة بلغته ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد رحمهمالله تعالى وتكشّف عنه شبهته ، فإن طلب أن يمهل حبس ثلاثة أيام للمهلة لأنها مدة ضربت لأجل الأعذار فإن تاب فيها وإلا قتل.
وفي النوادر (٢) عن أبي حنيف وأبي يوسف رحمهماالله تعالى : يستحبّ أن يمهل ثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب ، وفي أصحّ قولي الشافعي رحمهالله تعالى إن تاب في الحال ، وإلا قتل وهو اختيار ابن المنذر ، وقال الثوري رحمهالله : يستتاب ما رجي عوده ، وفي المبسوط وإن ارتدّ ثانيا وثالثا ، فكذلك يستتاب ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وقال مالك وأحمد رحمهمالله : لا يستتاب من تكرر منه كالزنديق ، ولنا في الزنديق روايتان في رواية : لا تقبل توبته كقول مالك رحمهالله ، وفي رواية تقبل وهو قول
__________________
(١) الصواب ما قاله ابن مقاتل رحمهالله أن هذا من المعجزات وليس من الكرامات ومعتقد جوازه كافر وهذه القصص من مخرقة الصوفية التي لا يعوّل عليها ولم يصحّ منها شيء.
(٢) النوادر : مجموعة مسائل كتبها محمد بن الحسن وأبو بكر إبراهيم بن رستم المروزي المتوفى سنة ٢١١ ه.