____________________________________
نعم! ولو قيل لهما : على أيّ ملّة أنتما فقالتا : ما نحن على ملّة أو لا ندري على أيّ ملّة فكفرهما ظاهر. ثم قال : ومحمد رحمهالله سمى هذه في الكتاب مرتدّة لأنّا حكمنا بإسلامهما بالتبعية ، والآن بكفرهما لفقد التبعية ومعرفة دين فكأنهما مرتدّتان. أقول : قوله ومعرفة دين عطف على التبعية ، والمعنى لفقد معرفة دين ، وقد تقدّم أنهما إذا كانا لم يعرفا دينا من الأديان لم يكونا من أهل الإيمان ، وإنما الكلام في تصوّره وتحقّقه في حقهما.
إنما قال فكأنهما مرتدّتان لأن الارتداد فرع الإيمان السابق وهو مفقود منهما على ما تصوّر لهما ، وهذه مسألة كثيرة الوقوع في هذا الزمان خصوصا في بعض البلدان يصدر من قضاء السوء حيث تقع المرأة مطلّقة بالثلاث مع أنها ديّنة قارئة القرآن مصلية في كل الأزمان وصائمة في شهر رمضان ، فيقول لها القاضي : ما حكم الإسلام؟ فهي لجهلها بمراتب الكلام تقول لا أدري فيحكم بكفرها وببطلان نكاحها الأول ، ويجدد لها النكاح الثاني ، وربما يكفر القاضي بهذا الفعل الشنيع حيث رضي بهذا الكفر البديع ، فإن المسكينة لو وصفت لها المسألة وبيّنت لها القضية لأتت بالجواب الصواب فإن ديانتها أقوى من قضاة هذا الزمان من جميع الأبواب ، وإنما يتوسلون بمثل هذه الأفعال إلى الرشوة المحرّمة في جميع الأقوال والعمل في المطلّقة بالثلاث بقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه أولى من قبح هذه الأحوال ، ثم انظر إلى الشيطان الموسوس للزوج المتدنّس أنه رضي بتكفير امرأته وبتضييع طاعاتها وما يترتب عليه من أن جماعة لها كان حراما عليه وأمثالها ويستنكف عن العمل بقوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (١). وبقوله عليه الصلاة والسلام : «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (٢). إنما أطنبت في هذا الكلام لأنه موضع زلّة الأقدام ولعزّة الإقدام
__________________
(١) البقرة : ٢٣٠.
(٢) هو بعض حديث أخرجه البخاري ٢٦٣٩ و ٥٢٦٠ ، ومسلم ١٤٣٣ ح ١١١ و ١١٢ ، وأبو داود ٢٣٠٩ ، والترمذي ١١١٨ ، والنسائي ٦ / ٩٣ ، وابن ماجة ١٩٣٢ ، وأحمد ٦ / ٣٤ و ٣٧ ، والدارمي ٢ / ١٦١ ـ ١٦٢ ، والبيهقي ٧ / ٣٧٣ و ٣٧٤ ، والطيالسي ١٤٣٧ ، وأبو يعلى ٤٤٢٣ كلهم من حديث عائشة.
قال الترمذي : حديث عائشة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وغيرهم ، أن الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثا ، فتزوجت زوجا غيره ، فطلقها قبل أن يدخل بها ، أنها لا تحلّ للزوج الأول إذا لم يكن جامع الزوج الآخر.