والإرادة ، ...
____________________________________
الزيادات (والإرادة) أي من الصفات الذاتية وهي كالمشيئة صفة تخصص أحد طرفي الشيء من الفعل والترك بالوقوع في أحد الأوقات مع استواء نسبة القدرة إلى جميع الممكنات ، وفيما ذكر تنبيه للرد على من زعم أن المشيئة قديمة والإرادة حادثة قائمة بذات الله سبحانه وتعالى ، وعلى من زعم أن معنى إرادة الله فعله أنه ليس بمكره ولا ساه ولا مغلوب ، ومعنى إرادته فعل غيره أنه أمر به فإنه تعالى مريد بإرادته القديمة ما كان وما يكون ، فلا يكون في الدنيا ، ولا في الأخرى صغير أو كبير قليل أو كثير ، خير أو شرّ ، نفع أو ضرّ ، حلو أو مرّ ، إيمان أو كفر ، عرفان أو نكران ، فوز أو خسران ، زيادة أو نقصان ، طاعة أو عصيان إلا بإرادته ووفق حكمته وطبق تقديره وقضائه في خليقته ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فهو الفعّال لما يريد كما يريد لا رادّ لما أراد ولا معقّب لما حكم في العباد ولا مهرب عن معصيته إلا بإرادته ومعونته ولا مكسب لعبد في طاعته إلا بتوفيقه ومشيئته فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه.
ولو اجتمع الخلق على أن يحرّكوا في العالم ذرّة أو يسكنوها مرة بدون إرادته لما قدروا على ذلك ، بل ولا أرادوا خلاف ما هنا لك كما قال الله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١). فهو سبحانه لم يزل موصوفا بإرادته ومريدا في الأزل وجود الأشياء في أوقاتها التي قدّرها فوجدت فيها كما علمها وأرادها وقدّرها من غير تقدّم ولا تأخّر وتبدّل وتغيّر وهذا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة لقوله : (اعملوا ما شئتم) ، ثم من الدليل على صفة الإرادة والمشيئة قوله تعالى : (يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (٢) ، وفي آية أخرى : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (٣) وهي المشيئة واحدة عندنا في حق الله تعالى ، أما في جانب العباد فيفترقان فلو قال رجل لامرأته : أردت طلاقك لا تطلق ، ولو قال لها شئت طلاقك يقع ، لأن الإرادة مشتقة من الرّود وهو الطلب ، والمشيئة عبارة عن الإيجاد فكأنه قال : أوجدت طلاقك وبه يقع الطلاق كذا ذكروه.
وقال القونوي فيه نظر إذ لو كان كذلك لما احتيج إلى النيّة ، والحاصل أن المشيئة عبارة عن الإرادة التامة التي لا يتخلّف عنها الفعل والإرادة تطلق على التامة وعلى غير التامة فالأولى هي المرادة في جانب الله تعالى ، والثانية في جانب العباد. انتهى ...
__________________
(١) الإنسان : ٣٠.
(٢) آل عمران : ٤٠.
(٣) المائدة : ١.