____________________________________
وفيه نظر فإنه على هذا كان ينبغي أن يذكر المشيئة في الصفات لا الإرادة ، فإن قيل : إن الله طلب الإيمان من فرعون وأبي جهل وأمثالهما بالأمر ولم يوجد منهم الإيمان فلو كانت الإرادة والمشيئة واحدة كما زعمتم لوجد ذلك منهم ، لأن المشيئة هي الإيجاد. قلنا الطلب من الله تعالى على نوعين طلب من المكلف على وجه الاختيار وهو المسمى بالأمر ، ولا يلزم منه الوجود لتعلّقه باختيار المكلّف وطلب لا تعلق له باختيار المكلّف وهو المسمى بالمشيئة والإرادة والوجود من لوازمهما ، إذ لو لم يكن يلزم العجز وهو سبحانه وتعالى منزّه عنه بخلاف العباد ...
ثم الحكمة سواء كانت بمعنى العلم ، أو إحكام العمل فصفة أزلية عندنا خلافا للأشعري حيث قال : إن أريد بها العلم ، فهي أزلية ، وإن أريد بها الفعل فلا ، إذ التكوين حادث عنده.
قال القونوي : القدر هو العلم المفقود ، ثم اختلفت عبارات أصحابنا رحمهمالله في هذه المسألة قال بعضهم نقول : إن جميع الموجودات والأفعال مراد الله تعالى ، ولا نقول على التفصيل إن القبائح والشرور والمعاصي من الله كما نقول على الإجمال : إنه خالق لجميع الموجودات ولا نقول على التفصيل إنه خالق الحيف والقاذورات. وقال بعضهم نقول على التفصيل : ولكن مقرونا بقرينة تليق به فنقول إنه أراد الكفر من الكافر كسبا له شرّا قبيحا منهيّا عنه ، كما أراد الإيمان من المؤمن كسبا له خيرا حسنا مأمورا فهو اختيارا للماتريدي ، وبه قال الأشعري هذا والمحقّقون من أهل السّنّة يقولون : الإرادة في كتاب الله تعالى نوعان : الأولى : إرادة قدرية كونية خلقية وهي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث لقوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (١). والثانية إرادة دينية أمرية شرعية وهي المتضمنة للمحبة والرضى كقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٢). وأمثال ذلك ، والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى فالإمام الأعظم رحمهالله ذكر هذه السبعة من الصفات الذاتية ، ومنها الأحدية في الذات والواحدية في الصفات والصمدية المستغنية عن الممكنات والعظمة والكبرياء على ما ورد في الأسماء والصفات. قال البيضاوي
__________________
(١) الأنعام : ١٢٥.
(٢) البقرة : ١٨٥.