مخلوق والقرآن كلام الله تعالى فهو قديم لا كلامهم ...
____________________________________
المقربين (مخلوق) أي حادث بعد كونهم مخلوقين (والقرآن كلام الله تعالى) أي بالحقيقة كما قال الطحاوي رحمهالله لا بالمجاز كما قال غيره ، لأن ما كان مجازا يصحّ نفيه ، وهنا لا يصحّ ، وأجيب بأن الشرع إذا ورد بإطلاقه فيما يجب اعتقاده لا يصحّ نفيه (فهو قديم) كذاته (لا كلامهم) فإنه حادث مثلهم إذ النعت تابع لمنعوته وإنما يقال المنظوم العبراني الذي هو التوراة والمنظوم العربي الذي هو القرآن كلامه سبحانه لأن كلماتهما وآياتهما أدلة كلامه وعلامات مرامه ، ولأن مبدأ نظمهما من الله تعالى ألا ترى أنك إذا قرأت حديثا من الأحاديث قلت : هذا الذي قرأته وذكرته ليس قولي ، بل قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأن مبدأ نظم ذلك القول من الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومنه قوله تعالى :(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) (١). وقوله عزوجل : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (٢). واعلم أن ما جاء في كلام الإمام الأعظم وغيره من علماء الأنام من تكفير القائل بخلق القرآن فمحمول على كفران النعمة لا كفر الخروج من الملّة بخلاف المعتزلة في هذه المسألة ، بل التحقيق أن لا نزاع في هذه القضية إذ لا خلاف لأهل السّنّة في حدوث الكلام اللفظي ، ولا نزاع للمعتزلة في قدم الكلام النفسي لو ثبت عندهم بالدليل القطعي ، وأما حديث : «من قال : إن القرآن مخلوق فقد كفر» (٣) فغير ثابت مع أنه من الآحاد وقابل للتأويل في بيان المراد ، والقول بأن المراد بالمخلوق المختلق بمعنى المفتري ، ومع هذا لا يجوز لأحد أن يقول القرآن اللفظي مخلوق لما فيه من الإبهام المؤدّي إلى الكفر ، وإن كان صحيحا في نفس الأمر باعتبار بعد إطلاقات القرآن فإنه يطلق على القراءة كقرآن الفجر ، ويطلق على المصحف كحديث : «لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو» (٤). ويطلق على المقروء خاصة وهو كلامه القديم
__________________
(١) البقرة : ٧٥.
(٢) التوبة : ٦.
(٣) حديث موضوع تقدّم الكلام عنه ص ٤٢. وانظر الأسماء والصفات للبيهقي ١ / ٣٧٣ والمقاصد الحسنة للسخاوي ٣٤ وكشف الخفاء للعجلوني رقم ١٨٦٩. وقال في كشف الخفاء : «وقد حكم بوضع هذا الحديث ابن الجوزي والصغاني ، وقال النجم يروى عن أنس وأبي الدرداء ومعاذ وابن مسعود وجابر بأسانيد مظلمة لا يحتجّ بشيء منها كما قال البيهقي في الأسماء والصفات». ا. ه.
(٤) أخرجه البخاري ٢٩٩٠ ومسلم ١٨٦٩ والموطأ ٢ / ٤٤٦ وأبو داود ٢٦١٠ من حديث عبد الله بن عمر.