وسمع موسى عليهالسلام كلام الله تعالى كما قال الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً). وقد كان الله تعالى متكلّما ولم يكن كلّم موسى عليهالسلام وقد كان الله تعالى خالقا في الأزل ولم يخلق الخلق ....
____________________________________
قال الله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) (١). أي كلام الله فإذا ذكر مع قرينة تدل على الحدوث كتحريم مسّ القرآن للمحدث ، فهو محمول على المصحف والقراءة ، فإذا ذكر مطلقا يحمل على الصفة الأزلية ، فلا يجوز أن يقال : القرآن مخلوق على الإطلاق ، (وسمع موسى كلام الله تعالى كما قال الله تعالى : وكلم الله موسى تكليما) أتي بالمصدر المؤكد لدفع حمل الكلام على المجاز ، أي كلّمه الله تكليما محقّقا وأوقع له سماعا مصدقا ، والمعنى أن موسى عليه الصلاة والسلام سمع كلام ربّ الأرباب بلا واسطة إلا أنه من وراء الحجاب ، ولذا قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (٢). في هذا الباب قال شارح : وكان يسمع الكلام من باطن الغمام الذي هو كالعمود ، وقد يغشاه الغمام وربما كان يسمع كلامه تعالى من باطن النار ، أو بإرسال جبريل أو غيره من الملائكة. انتهى.
وفي الأخيرين نظر إذ لا يحصل بهما خصوصية له ولا مزية غلى غيره وأما ما قبله فلعله وقع له الكلام في الأوقات المتعددة والأحوال المختلفة ، وإلا فالكلام الذي وقع له أولا إنما كان كما أخبر سبحانه بأنه نودي من الشجرة المباركة التي ظنها أنها نار ، وإنما كانت معدن أنوار ومنبع أسرار ونتيجة أثمار وأسمار في أشجار (وقد كان الله تعالى متكلما) أي في الأزل. (ولم يكن كلّم موسى) أي والحال أنه لم يكن كلّم موسى ، بل ولا خلق أصل موسى وعيسى (وقد كان الله تعالى خالقا في الأزل ولم يخلق الخلق) جملة حالية والمعنى : أن الحق كان خالقا قبل خلق الخلق ، وفي نسخة : وكان الله خالقنا قبل أن يخلق الخلق حقيقة بمعنى أن هذا النعت فيه محقّق لا مجاز كما قال ابن أبي شريف (٣) : أنه كان خالقا بالقوة فإنه يوهم أنه تحت الإمكان واحتمال الوقوع واللّاوقوع في الأزمان ، وليس الأمر كذلك ، فإنه كان خالقا متحقّق الوقوع في وقت أراد فيه الشروع
__________________
(١) النحل : ٩٨.
(٢) الأعراف : ١٤٣.
(٣) هو محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف مسعود بن رضوان المري كمال الدين المقدسي الشافعي المتوفى سنة ٩٠٥ من تصانيفه الأخصى بفضائل المسجد الأقصى ، وشرح الإرشاد للنووي في الأصول وغيرها.