وليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلما كلّم الله موسى كلّمه بكلامه الذي هو له صفة في الأزل ....
____________________________________
فتأخر متعلّق الكلام والخلق من موسى وسائر الأنام لا يوجب نفي صحة الكلام ، وتحقّق الخلق عن الحق عند العلماء الأعلام لأن كل شيء يكون في القوة ثم يصير إلى الفعل فهو حادث إذ كل ممكن الوجود حادث كما صرّحوا به وأيضا فرق واضح وبون لائح بين من هو قادر على الكتابة إلا أنه يؤخّرها إلى وقت الإرادة ، وبيّن الكاتب بالقوة وحيث أنه عاجز في الحالة الراهنة وتحت الاحتمال في الأزمنة الآتية.
والحاصل أنه سبحانه كما قال الطحاوي رحمهالله ليس منذ خلق الخلق استفاد اسم الخالق ، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري ، فله معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالقية ولا مخلوق ، وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيى استحق هذا الاسم قبل إحيائهم ، وكذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم ذلك بأنه على كل شيء قدير وإليه كل شيء فقير ، وكل أمر عليه يسير (وليس كمثله شيء) أي كذاته وصفاته. (وهو السميع البصير) فقوله : ليس كمثله شيء زد على المشبهة. وقوله : وهو السميع البصير ردّ على المعطلة.
وقد قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري : من شبّهه الله بخلقه أي ذاتا وصفة فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه أي من صفاته الذاتية والفعلية فقد كفر. وقال الطحاوي : ومن لم يتوقّ النفي والتشبيه زلّ ولم يصب التنزيه.
ثم من جملة ما قالوا في قوله : ليس كمثله شيء إنه أما أريد به المبالغة ، أي ليس لمثله مثل لو فرض المثل كيف ولا مثل له ، وقد علمت بالأدلة الشرعية والعقلية استحالة قيام الحوادث بذات الله الأزلية الأبدية ، فكلامه قديم وكذا صفة خلقه ، وأما متعلقاتهما فحادث في وقت تعلق الإرادة بوقوعها وفي نسخة : وقد كان الله متكلما متأخرا عن قوله ، وقد كان الله تعالى خالقا وعلى تقدير فالجملة المتعلقة بالخلق اعتراضية للإشعار بأن خلق موسى حادث في أثناء خلق الأنام فكيف مقامه في مرام الكلام (فلما كلّم) أي الله كما في نسخة (موسى) والمعنى أراد تكليمه إياه (كلّمه بكلامه الذي هو له صفة) أي قديمة وفي نسخة هو صفة له وفي نسخة هو من صفاته (في الأزل) يعني أنه كلّمه بمضمون كلامه القديم الأزلي الأقدس كما نقش الكلمات الدالّة عليه ، في اللوح المحفوظ الأنفس قبل خلق السموات والأرض والأنفس فكلّمه على وفق تلك الكلمات المسطورة ، فتلك الكلمات المزبورة والكلمات التي سمعها موسى عليهالسلام من الشجرة المشهورة حادثة مخلوقة إلا أنها أدلة كلامه الذي هو صفته الأزلية الحقيقية ...