ويتكلم لا ككلامنا. ونحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق ...
____________________________________
بإبصاره الذي هو صفته على نعت اقتداره ويسمع الأصوات والكلمات المفردات والمركبات بسمعه الذي هو نعته لا بآلة من الآلات ولا بمشاركة غيره من الكائنات ، وأن رؤيته للمرئيات وسمعه للمسموعات قديمة بالذات ، وإن كان المرئي والمسموع من الحادثات على ما سبق بيانه في سائر الصفات من أن تأخر المتعلق الحادث لا ينافي تقدّم المتعلق القديم ، ألا ترى أنك ترى في حالة نومك بقوى بطون دماغك في حالة رؤياك أشكالا وألوانا ، وتسمع أصواتا وأفنانا ولا شكل ولا لون بحاصل ولا حاضر ، وبعد زمان غابر ترى تلك الألوان والأشكال وتسمع تلك الأصوات والأقوال في حال يقظتك على منوال ما رأيتها وسمعتها في تلك الحالة بلا زيادة ولا نقصان في المآل ، ومع هذا تتعجب من الله الملك المتعال الموصوف بنعوت الكمال أنه كيف يرى الألوان والأشكال قبل وجودها وكيف يسمع الأصوات والكلمات قبل وقوعها وهو الذي يريك الأشكال والألوان في حالة نومك بدون حضورها ويسمعك الأصوات والكلمات قبل صدورها (ويتكلم لا ككلامنا) كما بيّنه بقوله : (ونحن نتكلم بالآلات) أي من الحلق واللسان والشفة والأسنان. (والحروف) أي الأصوات المعتمدة على المخارج المعهودات بالهيئات المعروفات (والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف) أي لكمالات الذات والصفات (والحروف مخلوقة) أي كالآلات. (وكلام الله تعالى غير مخلوق) بل قديم بالذات. قال الطحاوي : فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذمّه الله وأوعده بسقر حيث قال الله تعالى : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) (١). فلما أوعد الله بسقر لمن قال : إن هذا إلا قول البشر علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ، ولا يشبه قول البشر (٢). انتهى.
وقال شارحه قد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال :
أحدها : أن كلام الله تعالى هو ما يفيض على النفوس من المعاني إما من العقل الفعّال عند بعضهم ، أو من غيره ، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.
وثانيها : أنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه ، وهذا قول المعتزلة.
وثالثها : أنه معنى واحد قائم بذات الله هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار إن عبّر
__________________
(١) المدّثر : ٢٦.
(٢) انظر شرح العقيدة الطحاوية ١ / ١٧٢ فالمؤلف ينقل قول الطحاوي من هناك.