وغضبه ورضاه صفتان من صفاته تعالى بلا كيف ...
____________________________________
كعجزنا عن معرفة كنه بقية صفاته فضلا عن معرفة كنه ذاته (وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف) أي بلا تفصيل أنهما من صفات أفعاله ، أو من نعوت ذاته.
والمعنى وصف غضب الله ورضاه ليس كوصف ما سواه من الخلق ، فهما من الصفات المتشابهات في حق الحق على ما ذهب إليه الإمام تبعا لجمهور السلف واقتدى به جمع من الحلف ، فلا يؤولان بأن المراد بغضبه ورضاه إرادة الانتقام ، ومشيئة الإنعام ، والمراد بهما غايتهما من النقمة والنعمة ... قال فخر الإسلام إثبات اليد والوجه حق عندنا لكنه معلوم بأصله متشابه بوصفه ، ولا يجوز إبطال الأصل بالعجز عن الوصف بالكيف ، وإنما ضلّت المعتزلة من هذا الوجه فإنهم ردّوا الأصول لجهلهم بالصفات على الوجه المعقول فصاروا معطلة ، وكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي (١) ، ثم قال : وأهل السّنّة والجماعة أثبتوا ما هو الأصل المعلوم بالنص ، أي بالآيات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فيما هو المتشابه وهو الكيفية ولم يجوّزوا الاشتغال بطلب ذلك كما وصف الله به الراسخين في العلم فقال : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢) انتهى.
وكذا ما ورد في الأحاديث المرويّات من العبارات المتشابهات كقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض» وعجنت بالمياه المختلفة وسوّاه ونفخ فيه الرّوح فصار حيوانا حسّاسا بعد أن كان جمادا» (٣). الحديث. وكقوله عليه الصلاة والسلام على ما رواه مسلم : «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرّحمن كقلب واحد يصرّفه كيف يشاء» (٤). وكقوله عليه الصلاة والسلام : «لا تزال جهنم تقول
__________________
(١) هو شمس الأئمة أبو بكر بن أحمد السرخسي ، شرح الجامع الصغير والكبير للشيباني والسير الكبير وله كتاب المبسوط والمحيط. توفي سنة ٤٩٠ وقيل ٥٠٠ ه.
(٢) آل عمران : ٧.
(٣) أخرج صدره أبو داود ٤٦٩٣ ، والترمذي ٢٩٥٥ ، وأحمد ٤ / ٤٠٠ ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٢٦ ، وعبد بن حميد في المنتخب ٥٤٨ ، والطبري في جامع البيان ٦٤٥ ، وصحّحه ابن حبان ٦١٦٠ ، والحاكم ٢ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ ووافقه الذهبي ، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٣٨٥ كلهم من حديث أبي موسى الأشعري بإسناد صحيح. وباقي الحديث لا أصل له وهو على ما يبدو من الإسرائيليات.
(٤) أخرجه مسلم ٢٦٥٤ وأحمد ٢ / ١٧٣ وابن حبان ٩٠٢ والبيهقي في الأسماء والصفات ص ١٤٧ ـ