____________________________________
قبيحة كخلقه وإيجاده وهو ممنوع ومدفوع بأن القبيح هو كسبه والاتّصاف به فعندهم يكون أكثر ما يقع من أفعال الخلق على خلاف ما أراد الله في البلاد وهذا شنيع جدّا حيث لا يصبر على ذلك رئيس قرية من العباد.
وإذا عرفت ذلك فللعباد أفعال اختيارية يثابون عليها إن كانت طاعة ويعاقبون عليها إن كانت معصية لا كما زعمت الجبرية أن لا فعل للعبد أصلا كسبا ولا خلقا ، وأن حركاته بمنزلة حركات الجمادات لا قدرة له عليها لا مؤثرة ولا كاسبة في مقام الاعتبار ولا قصد ولا إرادة ولا اختيار ، وهذا باطل لأنّا نفرّق بين حركة البطش وحركة الرعش ، ونعلم أن الأول باختياره دون الثاني لاضطراره ، فإن قيل بعد تعلّق علم الله وإرادته : الجبر لازم قطعا لأنهما أما أن يتعلقا بوجود العقل فيجب ، أو بعدمه فيمتنع لامتناع انقلاب علمه سبحانه جهلا ، وامتناع تخلّف مراده عن إرادته أصلا وحينئذ لا اختيار مع الوجوب والامتناع قطعا ، فالجواب أنه سبحانه يعلم ويريد أن العبد يفعله أو يتركه باختياره فلا إشكال في هذا المقال ، وتحقيقه أن صرف العبد قدرته أو إرادته إلى الفعل كسب وإيجاد الله تعالى الفعل عقيب ذلك خلق فالله تعالى خالق والعبد كاسب ومن أضلّ ممّن يزعم أن الله شاء الإيمان من الكافر والطاعة من الفاجر والكافر شاء الكفر ، والفاجر شاء الفجور فغلبت مشيئتهما مشيئة الله سبحانه ، فإن قيل يشكل على هذا قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) (١) الآية. وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (٢) الآية ، وقوله تعالى : (لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٣). أي يكذبون أو يظنون ويتوهّمون فقد ذمّهم الله تعالى حيث جعلوا الشرك كائنا منهم لمشيئة الله وكذلك ذمّ إبليس حيث أضاف الإغواء إلى الله تعالى إذ قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٤). والجواب أنه أنكر عليهم ذلك لأنهم احتجوا بمشيئته على رضاه ومحبته ، وقالوا : لو كره ذلك وسخط لما شاء فجعلوا مشيئة الله دليل رضاه ، فردّ الله عليهم ذلك فلا ينافي قوله تعالى :
__________________
(١) الأنعام : ٤٨.
(٢) النحل : ٣٥.
(٣) الزخرف : ٢٠.
(٤) الحجر : ٣٩.