____________________________________
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (١). وقوله تعالى : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (٢). والحديث الصحيح الذي اتفق عليه السلف والخلف : «أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» (٣). ولقد أحسن القائل :
فما شئت كان وإن لم أشأ |
|
وما شئت إن لم تشأ لم يكن |
وقد أجيب بأنه أنكر عليهم اعتقادهم أن مشيئة الله تعالى دليل على أمره به أو أنكر عليهم معارضة شرعه وأمره الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه بقضائه وقدره فجعلوا المشيئة العامة دافعة للأمر فلم يذكروا المشيئة على جهة التوحيد ، وإنما ذكروها معارضين بها لأمره دافعين بها لشرعه كفعل الزنادقة وجهّال الملاحدة إذا أمروا أو نهوا احتجوا بالقدر ، وقد احتجّ سارق على عمر رضي الله عنه بالقدر ، قال : فأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره ويشهد لذلك قوله تعالى : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (٤). والحاصل أن قولهم كلمة حق أريد بها الباطل ، وأما قول إبليس ربّ بما أغويتني فإنما ذمّ على احتجاجه بالقدر لاعترافه بالقدر وإثباته له ، ولهذا قالوا : إنه أعرف بالله من المعتزلي لمطابقة قوله سبحانه وتعالى : (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) (٥). أي عدلا. (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي فضلا. وقوله تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) (٦). وقوله تعالى : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٧). وأما قول آدم عليه الصلاة والسلام في جواب موسى عليه الصلاة والسلام : «أفتلومني على أن عملت عملا قد كتبه الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني
__________________
(١) يونس : ٩٩.
(٢) البقرة : ٢٥٣.
(٣) لم أجده بهذا اللفظ ولكن ورد معناه في عدة أحاديث منها حديث العزل في قوله عليهالسلام : «لا عليكم أن لا تفعلوا فإن الله قدّر ما هو خالق إلى يوم القيامة». أخرجه البخاري ٥٢١٠ ، ومسلم ٤٣٨ ح ١٢٧ ، وابن أبي شيبة ٤ / ٢٢٢ ، ومالك ٢ / ٥٩٤ ، وأبو داود ٢١٧٢ ، والبيهقي ٧ / ٢٢٩ ، وأحمد ٣ / ٦٨ ، والبغوي ٢٢٩٥ كلهم من حديث أبي سعيد الخدري.
(٤) الأنعام : ١٤٨.
(٥) المدّثر : ٣١.
(٦) الأعراف : ١٧٨.
(٧) الرعد : ٣٢.