ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه وآمن من آمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى إياه ونصرته له. أخرج ذريّة آدم من صلبه على صور الذرّ فجعلهم عقلاء فخاطبهم ...
____________________________________
آثار الكفران وأنوار الإيمان بأن جعلهم قابلين لأن يقع منهم العصيان والإحسان كما قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (١). أي في عالم الظهور والبيان ، (ثم خاطبهم) أي في وقت التكليف بالعبادة على لسان أرباب الرسالة وأصحاب السعادة (وأمرهم) أي بالإيمان والطاعة (ونهاهم) أي عن الكفر والمعصية (فكفر من كفر بفعله) أي باختياره (وإنكاره) أي مع جهله وإصراره (وجحوده) أي مع عناده واستكباره (بخذلان الله تعالى) أي بترك نصرته سبحانه (إياه) وعدم توفيقه لما يرضاه وهو مقتضى عدله كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٢). (وآمن من آمن بفعله) أي بانقياده وإذعانه (وإقراره) أي بلسانه (وتصديقه) أي بجنانه على وفق أمر الله ومراده (بتوفيق الله تعالى إياه ونصرته له) أي فيما قدّره وقضاه بمقتضى فضله كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (٣).
وهذا لا ينافي كونهما كافرا ومؤمنا في علم الله تعالى بحديث خلقت هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي ، وحديث فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير ، فإن الحديث الجامع المانع قوله عليه الصلاة والسلام : «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» (٤). (أخرج ذرية آدم) عليهالسلام أي طبقة بعد طبقة إلى يوم القيامة (من صلبه) أي أولا ثم أخرج من أصلاب أبنائه وترائب بناته نسلهم (على صور الذر) أي على هيئة النمل الصغير بعضها بيض وبعضها سود ، وانتشروا إلى يمين آدم ويساره (فجعلهم عقلاء فخاطبهم) أي حين أشهدهم على أنفسهم بقوله تعالى : ألست بربكم قالوا
__________________
(١) التغابن : ٦٤.
(٢) يونس : ٤٤.
(٣) البقرة : ١٤٣.
(٤) أخرجه البخاري ١٣٦٢ و ٤٩٤٥ ، ومسلم ٢٦٤٧ ، وأبو داود ٤٦٩٤ ، والترمذي ٢١٣٦ و ٣٣٤٤ ، وأحمد ١ / ٨٢ و ١٢٩ و ١٣٢ و ١٤٠ ، وابن ماجة ٧٨ ، وعبد الرزاق ٢٠٠٧٤ ، والآجري في الشريعة ص ١٧١ ـ ١٧٢ ، والطبري ٣٠ / ٢٢٣ ، وأبو يعلى ٣٧٥ و ٥٨٢ ، وابن حبان ٣٣٤ و ٣٣٥ كلهم من حديث علي بن أبي طالب.