وأمرهم بالإيمان ونهاهم عن الكفر فأقرّوا له بالربوبية ، فكان ذلك منهم إيمانا فهم يولدون على تلك الفطرة ، ومن كفر بعد ذلك فقد بدّل وغيّر ، ومن آمن ...
____________________________________
بلى (وأمرهم) أي بالإيمان والإحسان (ونهاهم) أي عن الكفر والكفران (فأقروا له بالربوبية) أي ولأنفسهم بالعبودية حيث قالوا بلى (فكان ذلك منهم) أي قولهم بلى الذي صدر عنهم (إيمانا) أي حقيقيا أو حكميّا (فهم يولدون على تلك الفطرة) يعني كما قال الله سبحانه : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (١). وكما قال صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على فطرة الإسلام فأبواه يهوّدانه ، أو ينصّرانه ، أو يمجّسانه حتى يعرب عنه لسانه» (٢). (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣). وهذا معنى قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).
والحاصل أن عهد الميثاق ثابت بالكتاب وهو قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (٤). الآية ، وبالسّنّة وهو الحديث الثابت المروي في المصابيح وغيره وتحقيقهما في كتب التفسير وشروح الحديث المنير على ما بيّنّاه في محلهما خلافا للمعتزلة ، حيث حملوا الآية ، والحديث على المعنى المجازي كما دفعناه في موضعهما هذا.
وقال شارح : ظهر من هذه المسألة وما يتعلق بها من الأدلة أن القول بأن أطفال المشركين في النار متروك فكيف لا وقد جعل الشرع البالغ الجاهل بالله ممّن لم تبلغه الدعوة معذورا يعني بقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٥). وأما الأحاديث فمتعارضة في هذا الباب ، وقد جمعنا بينها في شرح المشكاة على ما ظهر لنا من طريق الصواب ، وقد قال فخر الإسلام : وكذا نقول في الذي لم تبلغه الدعوة أنه غير مكلف بمجرد العقل ، وأنه إذا لم يصف إيمانا ولا كفرا ولم يعتقد على شيء أي مما يكون منافيا للإيمان ولا موافقا للعصيان كان معذورا ، وإذا وصف الكفر وعقده أو عقده ولم يصفه لم يكن معذورا وكان من أهل النار مخلدا (ومن كفر بعد ذلك) أي الإيمان الميثاقي (فقد بدّل وغيّر) أي إيمانه الفطري الوهبي بالكفر الطارئ الكسبي (ومن آمن) أي
__________________
(١) الروم : ٣٠.
(٢) تقدّم تخريجه فيما سبق.
(٣) الإنسان : ٣.
(٤) الأعراف : ١٧٢.
(٥) الإسراء : ١٥.