____________________________________
وصححه البيهقي من حديث حذيفة مرفوعا : «إن الله صانع كل صانع وصنعته» (١). ولذا وبّخهم سبحانه بقوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) (٢). أي ما تعملون من الأصنام وبقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) ولأن العبد لو كان خالقا لأفعاله لكان عالما بتفاصيلها كما يشير إليه سبحانه بقوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) (٣). وقول علي كرّم الله تعالى وجهه : عرفت الله بفسخ العزائم ، ولقد أغرب المعتزلة حيث صرفوا قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) إلى صفة الله حتى قالوا : إن كلامه مخلوق ولم يصرفوه إلى صفات الخلق حتى قالوا : إن أفعال العباد غير مخلوقة له ، وأما قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٤). فمعناه ما رميت خلقا إذ رميت كسبا ، ولكن الله رمى بخلق كسب الرمي في المصطفى صلىاللهعليهوسلم.
قال الإمام الأعظم في كتابه الوصية : نقرّ بأن العبد مع جميع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق ، فلما كان الفاعل مخلوقا فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة انتهى ... وبيانه على وجه يظهر برهانه هو أن علة افتقار الأشياء في وجودها إلى الخالق هي إمكانه ، وكل ما يدخل في الوجود جوهرا كان أو عرضا فهو ممكن في عالم الشهود ، فإذا كان العبد القائم بذاته لإمكانه يستفيد الوجود في شأنه من الخالق عزّ شأنه فأفعاله القائمة به أولى أن تستفيد الوجود من خالق ، وهذا معنى قوله تعالى والله الغني أي بذاته وصفاته عن جميع مصنوعاته وأنتم الفقراء أي المحتاجون بذواتكم وصفاتكم وأعمالكم وأحوالكم إلى الله أي إلى إيجاده في الابتداء ، وإمداده في الأثناء قبل الانتهاء.
ثم اعلم أن إرادة العبد التي تقارن فعله وقدرته عليه حال صنعه مخلوقتان مع الفعل لا قبله ولا بعده ، قال الإمام الأعظم في كتابه الوصية : نقرّ بأن الاستطاعة مع الفعل لا
__________________
ـ أخته. توفي سنة ١٤٤ ه. مترجم في سير أعلام النبلاء ٦ / ١٠٤.
(١) أخرجه الحاكم ١ / ٣١ ـ ٣٢ وصحّحه على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، والبيهقي في الأسماء والصفات ١ / ١٢٩ و ٢ / ٣٩٨ ، والبخاري في خلق أفعال العباد ص ١٢٥ من حديث حذيفة بن اليمان.
ولفظه عند الحاكم «إن الله خالق ...» أما عند البخاري والبيهقي : «إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته».
(٢) الصّافّات : ٩٥.
(٣) الملك : ١٤.
(٤) الأنفال : ١٧.