____________________________________
القول هو المعروف عن السلف ، وقد اتفقوا على جواز إسناد الكل إليه سبحانه جملة ، فيقال : جميع الكائنات مرادة لله ، ومنهم من منع التفصيل فقال لا يقال إنه يريد الكفر والظلم والفسق لإيهامه الكفر ، ولرعاية الأدب معه سبحانه ، كما يقال خلق الأشياء ولا يقال : خالق القاذورات ، ثم أعلم أن شارحا حلّ عبارة الإمام على أن الطاعات والمعاصي مفعولات ليخلق ، وأن قوله واجبة خبر ما كانت مندوبة ، والأولى ما قررنا وعلى عموم معنى الأمر حرّرنا.
والمسألة مبسوطة في الوصية حيث قال : نقرّ بأن الأعمال ثلاثة : فريضة أي اعتقادا وعملا ، أي أو عملا لا اعتقادا ليشمل الواجب ، وفضيلة أي سنّة أو مستحبة ، أو نافلة ومعصية أي حرام ، أو مكروه ، فالفريضة بأمر الله تعالى ومشيئته ومحبته ورضاه وقضائه وتقديره ، وإرادته وتوفيقه ، وتخليقه أي خلق فعله وفق حكمه فهو تفسير لما قبله.
وأما قوله وحكمه وعلمه وكتابته في اللوح المحفوظ فظاهر العبارة هو التفرقة بين المشيئة والإرادة ، فالمشيئة أزلية في المرتبة الشهودية والإرادة تعلقها بالفعل في الحال الوجودية هذا ما سنح لي في هذا المقام والله تعالى أعلم بمرام الإمام.
وكذا الحكم يظهر أنه مستدرك لأنه أما أن يراد به الحكم الأزلي فهو بمعنى القضاء الأوّلي ، أو يراد به الأمر الكوني في عالم الظهور الخلقي فقد تقدّم ذكر الأمر بهذا المعنى اللهمّ إلّا أن يقال أنهما كالتأكيد والتأييد في المبنى ، ثم قوله : والفضيلة ليست بأمر الله تعالى أي بالأمر الموجب قطعا ، أو ظنّا وإلا فهي داخلة في ذلك الأمر المقتضي استحسانا ، وكذا مندرج في قوله : ولكن بمشيئته ومحبته ورضائه وقضائه وتقديره وتوفيقه وتخليقه وإرادته وحكمه وعلمه وكتابته في اللوح المحفوظ فنؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه والمعصية ليست بأمر الله ولكن بمشيئته لا بمحبته وبقضائه لا برضائه وبتقديره وتخليقه لا بتوفيقه وبخذلانه وعلمه وكتابته في اللوح المحفوظ. انتهى.
وأما ما ذكره ابن الهمام في المسايرة (١) من أنه نقل عن أبي حنيفة ما يدل على جعل الإرادة من جنس الرضى والمحبة لا المشيئة لما روي عنه من قال لامرأته : شئت
__________________
(١) هو المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة وهو مختصر للرسالة القدسية للإمام الغزالي وفيه زيادات عليه وشرحه الشيخ كمال الدين محمد بن محمد المعروف بابن أبي الشريف القدسي الشافعي وسمّاه المسامرة في شرح المسايرة وشرحه سعد الدين الديري الحنفي المتوفى سنة ٨٦٧ وشرحه الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي المتوفّى سنة ٨٧٩ ه. انظر كشف الظنون ٢ / ١٦٦٦ ـ ١٦٦٧.