____________________________________
بالنسبة إلى الله سبحانه فليست كذلك فإنها قد تكون مقرونة بحكمة ، تقتضي هنالك مع أنه مالك الأمور على الإطلاق كما قال الله تعالى : (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (١). وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (٢). وقوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٣). وحكي أن القاضي الجبار الهمداني أحد شيوخ المعتزلة دخل على الصاحب بن عباد (٤) وعنده الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني أحد أئمة أهل السّنّة فلما رأى الأستاذ قال : سبحان من تنزّه عن الفحشاء فقال الأستاذ فورا سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ، فقال القاضي : أيشاء ربنا أن يعصى؟ قال الأستاذ : أيعصى ربّنا قهرا؟ فقال القاضي : أرأيت إن منعني الهدى وقضى عليّ بالرديء أحسن إليّ أم أساء ، فقال الأستاذ : إن منعك ما هو لك فقد أساء ، وإن منعك ما هو له ، فهو يختص برحمته من يشاء فبهت القاضي (٥).
ومجمل الكلام في تحصيل المرام أن الحسن من أفعال العباد ، وهو ما يكون متعلق المدحة في الدنيا والمثوبة في العقبى برضاء الله تعالى وإرادته وقضائه ، والقبيح منها وهو ما يكون متعلق المذمّة في العاجل والعقوبة في الآجل ليس برضائه ، بل بإرادته وقضائه لقوله سبحانه : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٦). فالإرادة والمشيئة والتقدير تتعلق بالكل والرضاء والمحبة والأمر لا تتعلق إلا بالحسن دون القبيح من الفعل حيث أمرهم بالإيمان مع تقرّر علمه بأنهم يموتون على الكفر.
ثم اعلم أن الطاعة بحسب الطاقة كما قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٧). أي قدرتها وقدرة العبد التي يصير بها أهلا لتكليف الطاعة هي سلامة الآلة
__________________
(١) إبراهيم : ٢٧.
(٢) المائدة : ١.
(٣) الأنبياء : ٢٣.
(٤) هو إسماعيل بن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الطالقاني نسبة إلى الطالقان وهي ولاية بين قزوين وأبهر توفي بالري ٣٨٥ ه وعرف بالصاحب لأنه صحب أبا الفضل بن العميد. ويقول الكستلي : وكان غاليا في الرفض والاعتزال ساعيا في تربية أبي هاشم الجبائي ورفع قدره وأعلى ذكره. انظر ترجمته في لسان الميزان ١ / ٤١٣ ـ ٤١٦ ، ومعجم الأدباء ٦ / ١٦٨ ـ ٣١٧.
(٥) انظر شرح العقائد النسفية للسعد التفتازاني ص ١٤٠ ـ ١٤١.
(٦) الزّمر : ٧.
(٧) البقرة : ٢٨٦.