المعنى إلى ما ذكرناه ، والمراد به أنه مستقيم بغير اعوجاج ، ومنتصب بغير اضطراب ، وقوله تعالى من بعد : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١)) قريب في المعنى ممّا تقدم ، لأنّ المراد بذلك لا يخلو من أحد الأمرين : إمّا أن يكون أراد تعالى بإقامة الصلاة القيام لأوقاتها ، لأنّ القيام من أعظم أركان الصلاة ؛ وإمّا أن يكون أراد تأديتها على واجبها وإخلاصها من كلّ ما يعود بفسادها ، وذلك كقولهم : أقام فلان قناة الدّين أي أظهر أمره ، ووالى نصره ، ورمى الأعداء عنه ، ووقم (١) الأضداد دونه ، وجميع هذه الألفاظ المذكورة نظائر ، وهي بأجمعها استعارات لا حقائق ، وإنّما أوردناها في نسق واحد ، لاتّفاق ورودها في سورة واحدة.
٢ ـ قال تعالى : (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) [الآية ٣٢].
وهذه استعارة ، لأن الدّين على الحقيقة لا يتأتّى فيه التفريق ؛ وإنّما المراد ، والله أعلم ، أنّهم لمّا افترقوا في دينهم بمذاهب مختلفة وطرائق متباينة ، كانوا كأنّهم قد فرّقوه فرقا ، وجعلوه شيعا ، فحسن وصفهم بذلك.
٣ ـ قال تعالى : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥)).
وهذه استعارة. والمراد بالسلطان هاهنا البرهان على أحد التأويلين ؛ وهو الحقّ الّذي يتسلّط به الإنسان على مخالفه ، ويظهر على منازعه ، وإنّما وصفه سبحانه بالكلام ، لظهور حجّته وقوّة دعوته ، فكأنه ناطق ومدافع مناضل.
٤ ـ قال سبحانه : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) [الآية ٣٩].
وهذه استعارة ؛ والمراد بالرّبا هاهنا ، المال الّذي يعطيه الإنسان غيره ليعطيه أكثر منه على الوجه المنهي عنه. وأصل الرّبو الزيادة والكثرة ، وإنّما سمّي المال المعطى الّذي يلتمسون به الزيادة ربا ، لأنه جعل غرضه لطلب الزيادة ، ووصلته إليها علّة لها ، فحسن تسميته بذلك ، للسبب الّذي ذكرناه ، ومعنى قوله تعالى : (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ
__________________
(١). من وقم ، أوقم الرجل : قهره. وردّه عن حاجته أقبح الردّ.