النَّاسِ) أي ليزيد في أموال الناس ، وليس قوله سبحانه هاهنا بمعنى ليكون مددا لأموال الناس فتزيد به. وإنّما المعنى يزيد هو بدخوله في أموال الناس ؛ ودخوله فيها ، هو أنّ صاحبه يعطيه الناس ليأخذ منهم أكثر منه ؛ فإذا ما كره وأراد التعويض عنه بالقدر الزائد عليه ، كان كأنّه قد ربا أي كثر بحصوله في أموال الناس ، لأنّ كثرته وإضعافه كان السبب فيهما ، كونه في أموال الناس على الوجه الّذي بيّنّاه ، وهذا من غوامض المعاني. ومن الشواهد على بيان ربا ، بمعنى الزيادة والكثرة في كلامهم قول يزيد بن مفرغ الحميري :
وكم عطايا له ليست مكدّرة لا بل تفيض كفيض المسبل الرّابي يريد البحر ، فسمّاه رابيا ، لكثرة مائه وارتفاع أمواجه.
٥ ـ قال سبحانه : (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)).
وهذه استعارة. ومعنى يمهدون هاهنا ، أي يوطّئون لجنوبهم ، ويمكّنون لأقدامهم عند مصارع الموت ومواقف البعث. وذلك كناية عن تقديم العمل الصالح والمتجر الرابح ، تشبيها بمن وطّأ لمضجعه بالفرش الوثيرة والنمارق (١) الكثيرة.
٦ ـ قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [الآية ٤٦].
وهذه استعارة. والمراد بها ما جرت به العادة من هبوب الرياح أمام الغيوث ، وأنّ ذلك يقوم مقام النطق البشّار ، والوعد بالأمطار المتوقعة بين يدي الرحمة. والرحمة في كثير من الآيات كناية عن الغيث ، وعلى ذلك قوله تعالى في هذه السورة (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) [الآية ٥٠] أي الى ما كان يعقب الغيوث ، من منابت الأعشاب واكتساء القيعان.
٧ ـ قال تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) [الآية ٤٨].
وهذه استعارة. والمراد بإثارتها السحاب أنها تلفق قطعه ، وتوصل منقطعه ، وتستخرجه من غيوبه ، وتظهره بعد غيوضه ؛ تشبيها بالقانص أي ينهضه من مجاثمه ، ويبرزه عن مكانه ، لتراه عينه فيتأتّى لقنصه ، ويتمكّن من فرصه.
__________________
(١). من النمرق : الوسادة الصغيرة يتّكأ عليها.